-

لماذا تهمّ نتيجة الانتخابات الفرنسيّة المنطقة

(اخر تعديل 2024-09-09 15:26:01 )
بواسطة

بي بي سي

ستجري انتخابات تشريعيّة في فرنسا نهاية شهر يونيو، في وقت تشهد فيه فرنسا خلافات لا تتعلق فقط بالشؤون الداخلية، بل امتد الانقسام فيها إلى قضايا خارجية أبرزها حرب غزة.

وشهدت ولايتا الرئيس إيمانويل ماكرون (الذي تولّى الحكم عام 2017) احتجاجات عديدة بسبب قضايا داخلية أساسية، مثل قانون رفع سنّ التقاعد والبطالة وغلاء المعيشة والتغير المناخي.

لكن خلال الأشهر الماضية، عاشت فرنسا موجة احتجاجات مختلفة بسبب حرب غزّة؛ فخرج متظاهرون لدعم الفلسطينيين ولإنهاء الحرب، في حيّن أيّدت مجموعات أخرى الحملة العسكرية الإسرائيلية في القطاع.

وفي حديث لبي بي سي عربي، قال سلام كواكبي، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات السياسية في باريس، إنّ حملة اليسار المؤيدة لوقف إطلاق النار في غزة، أثّرت على الانتخابات الأوروبية، خاصة مع فوز الشابة الفرنسية-الفلسطينية، ريما حسن، بمقعد في البرلمان الأوروبي، عن حزب "فرنسا الأبية" اليساري.

ويعتقد الباحث أنّ حرب غزة ستكون هذه المرّة أيضا "أحد العوامل التي ستلعب دوراً في زيادة نسبة التصويت في الانتخابات المقبلة" في فرنسا، إضافة إلى عوامل أخرى منها صعود اليمين المتشدد في الانتخابات الأوروبية.

ويقول مدير الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، الدكتور مروان قبلان، إن صعود اليمين في فرنسا "لابد أن يثير حالة من الخوف والقلق بين أبناء الجاليات، خصوصاً تلك التي تنحدر من أصول غير فرنسية مثل الجاليات العربية المنحدرة من شمال افريقيا".

ويشرح قبلان لبي بي سي، ذلك بأن "الشعارات والسياسات والبرامج التي يرفعها اليمين الفرنسي لا تعد بأي حال من الأحوال قريبة أو صديقة من تلك الجاليات، إذ أن قادة اليمين يُحمّلون الهجرة والمهاجرين مسؤولية العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها فرنسا، ويعتبرون الجاليات دخيلة على مجتمعهم".

إلى جانب الموقف من حرب غزّة، كيف ستؤثر نتائج الانتخابات الفرنسية في مقاربة فرنسا لأزمات المنطقة العربية، خاصة ملف جنوب لبنان والعلاقة مع الحكومة السورية ومع الجزائر؟

حرب غزّة حاضرة في المشهد الانتخابي

تأتي هذه الانتخابات، المقررة يوم 30 يونيو (و7 يوليو في جولة ثانية)، بعد فوز حزب "التجمع الوطني" اليميني الراديكالي، في انتخابات البرلمان الأوروبي، وما تلاه من قرار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حلّ البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة.

ويقود ماكرون الائتلاف المنافس الذي خسر أمام الحزب اليميني الراديكالي في الانتخابات التي جرت يوم 6 يونيو.

وصارت حرب غزة حاضرة في برامج وتصريحات العديد من المرشحين الذين خاضوا الانتخابات الأوروبية، وفقا لعدة تقارير صحفية فرنسية.

وتحوز السياسات الخارجية على اهتمام الناخبين الفرنسيين، وبشكل خاص المقيمين خارج فرنسا، وقد تؤثر في تحديد اتجاه أصواتهم.

اليمين الفرنسي المتشدد أيّد إسرائيل بشكل علني غداة بدء حرب غزّة، وبشكل خاصة زعيمة التجمع الوطني، مارين لو بان، وإريك زمور، زعيم حزب "الاستعادة".

وتتلخّص مواقف اليمين الفرنسي في الموقف من دولة فلسطينية من خلال تصريحات لمرشح الحزب الجمهوري فرنسوا كزافييه بيلامي، وجوردان بارديلا، مرشّح حزب "التجمع الوطني"، برفض الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت الحالي، وفق ما نقلت قناة "بي أف أم" الفرنسية في 26 مايو.

في حين وقفت الأحزاب اليسارية البارزة، مثل الحزب الشيوعي الفرنسي وحزب "فرنسا الأبية"، بقيادة المرشح الرئاسي السابق، جان لوك ميلونشون، إلى جانب الفلسطينيين، مطالبة بوقف إطلاق النار.

وأطلق كلّ من ميلونشون وأمين عام الحزب الشيوعي الفرنسي، فابيان روسيل، وصف "الإبادة" على ما يجري في قطاع غزّة.

ويبدو أنّ الانقسام والسجال حول الموقف من حرب غزّة، انتقلا إلى حملات الانتخابات التشريعية.

إذ نشرت "الجبهة الشعبية الجديدة"، المؤلفة من تحالف أحزاب يسارية، برنامجاً انتخابياً تفصيلياً لأول مئة يوم من العمل، في حال فوزها بأغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية.

وتضمّن البرنامج التأكيد على وقف إطلاق النار في غزّة، والمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية وإدانة لهجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر.

ويرى الدكتور مروان قبلان "أنه ليس بالضرورة أن تتحسن علاقة فرنسا بإسرائيل إذ نجح اليمين المتطرف بتشكيل حكومة فرنسية".

ويضيف قبلان أن التاريخ يُشير إلى أن "الاشتراكيين الفرنسيين كانوا أقرب لإسرائيل من اليمين الفرنسي واليمين المتشدد".

ويستشهد قبلان بأن "اليمين الفرنسي المتطرف حمل في مرحلة ما، شعارات كانت تعتبر معادية للسامية، مثل اليميني المتطرف جان ماري لوبان والد مارين لوبان رئيس حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف والذي كان يُعتبر معادياً للسامية".

ويستمر ماكرون وحزبه "النهضة" بالتعبير عن "الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار في غزّة"، لكنّ ماكرون، على عكس زعماء إيرلندا وإسبانيا والنرويج، يرى أنّ الاعتراف بدولة فلسطينية "ليس منطقياً في الوقت الحالي"، وفق تصريحه في مقابلة مشتركة على قناتي "تي أف 1" و"فرانس 2" في 6 يونيو.

هل حصد اليسار أصواتاً في الانتخابات الأوروبية نتيجة موقفه من غزّة؟

قد تخبرنا نتائج الانتخابات الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط، بأهواء الناخبين الفرنسيين المقيمين في المنطقة، لا سيما أولئك الذين يحملون جنسيتين، أو المنحدرين من أصول غير فرنسية.

لنأخذ على سبيل المثال نتائج الانتخابات الأوروبية التي جرت في السفارات الفرنسية في ثلاث دول، هي لبنان والإمارات وإسرائيل.

تم اختيار هذه الدول الثلاث نظراً لتوفر المصادر الموثوثة ولأنها تعبر عن تنوع في شرائح الناخبين.

أجرت كلارا حاج من صحيفة "لوريون لو جور" اللبنانية، التي تصدر باللغة الفرنسية، مقابلات مع بعض الفرنسين اللبنانيين، من ميول سياسية يمينية، وقالوا لها إنهم صوتوا لصالح ميلونشون تضامناً مع غزّة - هذه شريحة فقط من الناخبين.

ورغم حلول حزب "فرنسا الأبية" في المركز الثالث في نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، إلا أنّ نتائج الفرز في لبنان والإمارات أظهرته في المركز الأول، متقدماً على الجناحين الوسطي واليميني.

وعلى العكس، في إسرائيل، حلّ "فرنسا الأبية" إلى جانب حزب "المساحة العامة" اليساري الوسطي في المراكز الأخيرة، بنسبة تصويت قليلة جداً مقارنة مع أحزاب اليمين والوسط.

يشير مدير المركز العربي للبحوث والدراسات السياسية في باريس، سلام كواكبي، إلى أنّ بروز اليمين المتشدد وصعوده إلى مقدمة المشهد، "بعث بشئ من الخوف، في أوساط الفرنسيين ذوي الأصول الأجنبية".

ويرى الباحث في العلوم السياسية أنّ أغلبية من صوتوا في دبي مثلاً، هم من الفرنسيين ذوي الأصول العربية أو الإسلامية، الذين قاموا بهجرة معاكسة (من فرنسا)، نتيجة "لعدم توفّر إمكانية الاندماج ولا لإمكانية العمل في جوّ صحي في فرنسا".

أمّا في لبنان، مهما اختلف الانتماء أو الاختلاف السياسي، بحسب كواكبي، "هناك حدّ أدنى موجود من التضامن مع القضية الفلسطينية تجده لدى كافة المكونات".

ويرى أن خسارة حزب لوبان في لبنان، في الانتخابات الأوروبية، يعود غالباً إلى موقفها من الحرب في غزة.

وأشارت أحدث استطلاعات الرأي، إلى تقدم اليمين الفرنسي المتشدد الممثّل بحزب " التجمع الوطني"، على منافسيه في الانتخابات.

ووفق ما نقلت وكالة رويترز يوم 28 يونيو، يشير استطلاع للرأي أجرته مجلة "لي زيكو" إلى إمكانية حصول "التجمع الوطني" على نسبة 37 في المئة من الأصوات، مقابل حصول تحالف أحزاب اليسار الممثّلة في "الجبهة الشعبية الجديدة" على 28 في المئة، وحلول حزب "النهضة" الذي يقوده ماكرون أخيراً بنسبة 20 في المئة من الأصوات.

كما أجرت قناة "بي أف أم" الفرنسية استطلاعا للرأي في 12 يونيو أشار أيضاً إلى تقدم لائحة "التجمع الوطني" وإمكانية حصولها على 31 في المئة من نسبة الأصوات، مقابل 28 في المئة لصالح "الجبهة الشعبية الجديدة"، و18 في المئة لأحزاب الوسط وعلى رأسها "النهضة".

وفي ما يخصّ الموقف مستقبلاً من الحرب على غزّة في حال استمرت إلى ما بعد فرز نتائج الانتخابات، يقول كواكبي إنّه في حال فوز اليمين المتشدد "سينتظر الإشارة الخضراء" من إسرائيل، ليحدد موقفه من حرب غزّة.

أما ماكرون "صاحب الحظوظ الضعيفة بعد تجربته الانتحارية في حلّ المجلس"، بحسب كواكبي، "ففي حال فوزه بالأغلبية، سيبقي على السياسة المائعة التي لا تقود إلى شيء".

ويضيف "لكن في حال فوز اليسار، سوف يلتزم بموقفه تجاه الحرب في غزة".

ويلفت كواكبي إلى أنّ اليسار الذي يمثّله ميلونشون هو من طالب بوقف إطلاق النار، أما جزء آخر من اليسار، لا سيما ذلك الذي يمثّله رفائيل جلوكسمان، لم يطالب بوقف إطلاق النار إلا متأخراً".

ويقول "نتحدث الآن عن تحالف قابل للانفجار لكنّه موجود، وسيخوض الانتخابات تحت اسم الجبهة الشعبية الجديدة".

ويشير إلى أنّ "هذا التحالف يتبنى القضية الفلسطينية بطريقة يمكن وصفها بأنها رائعة وأخلاقية، لكنها أحياناً تبعث على الشكّ، بأنها متعلقة بمرحلة انتخابية، هدفها الحصول على أصوات المكوّن الإسلامي أو العربي أو الاثنين معاً".

هؤلاء الناخبون، وفق كواكبي، لم ينخرطوا سابقاً في المشهد السياسي العام، "لكنهم سيتجهون الآن للتصويت وفق ما أظهرته استطلاعات رأي حديثة".

وحول توقعات شكل الحكومة الفرنسية المقبلة، يشير قبلان إلى أن "جميع السيناريوهات مطروحة في خارطة التحالفات إذا لم يتمكن أي حزب من حصد أغلبية".

ويوضح قبلان "أنه من الممكن أن يكون هناك تحالفاً بين الوسط واليسار إذا توفرت الإرادة السياسية لإبعاد اليمين عن الحكم وإبقائه في خانة المعارضة".

ويرى قبلان أنه في حال جاءت نتائج الانتخابات "غير حاسمة" فمن المرجح أن نرى "أزمة سياسية فرنسية لأن الحكومة ستكون من طيف سياسي مختلف عن الرئيس وهو ما سيسبب نزاعاً على الصلاحيات بين أركان السلطة التنفيذية في فرنسا".

قلق في الجزائر؟

العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا المتوترة منذ انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً، قد تشهد المزيد من التوتر في حال فاز اليمين المتشدد الفرنسي، هذا تحليل مجلة "جون أفريك"، المتخصصة في الشؤون الأفريقيّة، الصادرة من باريس، والتي كان قد أسسها صحفي فرنسي من أصل تونسي.

وتعتقد المجلة، في عددها الصادر يوم 19 يونيو، أنّ وصول حزب "التجمع الوطني"، المصنّف سياسياً في خانة أقصى اليمين، وتعيين جوردان بارديلا رئيساً للوزراء، لن يؤدي إلا إلى "تبعات ثقيلة" على العلاقات الثنائية بين البلدين.

وأشارت "جون أفريك" إلى أنّه "لا يمكن تصوّر قدوم الرئيس الجزائري لزيارة فرنسا في جوّ من العدائية، ولا تَخَيُّل (الرئيس) عبد المجيد تبون مصافحاً جوردان باريلا، ولا مشاركاً في عشاء رسمي في قصر الإليزيه بحضور وزراء من عائلة مارين لوبان".

يجدر الإشارة إلى أنّ حزب "التجمّع الوطني" انبثق من حزب "الجبهة الوطنية" الذي أسّسه جان ماري لوبان - والد مارين – صاحب شعار "الجزائر فرنسية".

وسبق وأن واجه جان ماري لوبان اتهامات بارتكاب أعمال تعذيب في الجزائر عام 1957 أثناء حرب التحرير.

ونفى لوبان مراراً هذه المزاعم.

وهناك العديد من النقاط التي تثير خلافات من حين إلى آخر بين البلدين، وقالت المجلة إنّ "التجمع الوطني" قد يطرح اتفاق 1968 على الطاولة من جديد - وهو اتفاق ينظم شؤون الهجرة والعمل والتنقل بين البلدين.

ثلاثة رؤساء فرنسيين وموقف واحد من الحكم في سوريا

أبدى الفرنسيون اهتماماً واسعاً بالصراع في سوريا، واستضافت فرنسا وجوهاً بارزة من المعارضة السورية، وكان الموقف الرسمي مناهضاً لحكومة الرئيس بشار الأسد.

ويستمر الصراع في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهليّة عام 2011، في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، مروراً بعهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند، وصولاً إلى إيمانويل ماكرون، دون أن تغيّر فرنسا موقفها الرسمي من الحكومة السورية.

ويرى الباحث سلام كواكبي أنّ تكتل اليسار سيكون له مواقف أكثر حدّة ووضوحاً في الملف اللبناني الداخلي، لكن مواقفه ستكون مبهمة وغير واضحة في العلاقة مع الحكومة في سوريا، ما قد يعقّد الملف اللبناني نتيجة ارتباطهما.

وقال كواكبي إنّ اليسار عموماً، سواء كان عربيا أو أوروبيا "وقف إمّا إلى جانب النظام السوري وإمّا على الحياد".

وأضاف قائلاً إنه في ما يخصّ سوريا، "موقف المكونات اليسارية غير متناسق؛ فهناك الوجوه القديمة مثل ميلونشون الذي لديه تناقضات شديدة، أمّا مواقف حزبه ونوابه فواضحة من الديكتاتوريات العربية ولا سيما من النظام السوري" - ويقصد بأن المواقف معارضة لتلك الحكومات.

أمّا حزب "التجمّع الوطني" اليميني المتشدد؛ فيقول كواكبي إنّه "أقرب ما يكون إلى النظام السوري؛ إذ زار نائب الحزب في الاتحاد الأوروبي، فيليب ماريني، دمشق عدة مرات، وتفاخر بعلاقته مع النظام السوري".

"لو كنت رئيساً لفرنسا.. لقلت للإسرائيليين لا تلمسوا لبنان"

وفي لبنان، الذي تحرص فرنسا على إظهار اهتمامها بقضاياه وأزماته، أوفد الرئيس الفرنسي وزير خارجيته أكثر من مرة إلى بيروت للقاء ممثلي الأحزاب والكتل النيابية في لبنان، دون أن ينجح في إيجاد مخرج لانتخاب رئيس - المنصب الشاغر منذ عامين.

لكنّ التحدي الأبرز في الملف اللبناني، يتعلّق بالموقف من تبادل حزب الله وإسرائيل القصف الصاروخي عبر الحدود اللبنانية منذ بداية حرب غزة.

وجاء ردّ اليساري جان لوك ميلونشون على التهديد الإسرائيلي للبنان في كلمة له أمام أنصاره، قائلاً "لو كنت رئيساً لفرنسا.. لقلت للإسرائيليين لا تلمسوا لبنان".

ويرى كواكبي أن حزب "التجمع الوطني" سوف "يأخذ بعين الاعتبار الحسابات الإسرائيلية طبعاً".

بينما يؤكد قبلان أن السياسة الخارجية الفرنسية هي من اختصاص الرئيس بشكل مباشر، ومن غير المتوقع أن تتغير سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون الخارجية سواء نجح اليسار أو اليمين".

ويرجح قبلان إلى أن السياسية الخارجية الفرنسية فيما يخص ملفي لُبنان وسوريا "ستبقى كما هي".

شارك في التغطية الحارث الحباشنة