-

موسم القطن في الإسماعيلية: فرحة وسعادة

موسم القطن في الإسماعيلية: فرحة وسعادة
(اخر تعديل 2025-09-19 16:16:45 )
بواسطة

موسم القطن في الإسماعيلية: فرحة وسعادة

مع بزوغ خيوط الشمس الأولى، وقبل أن تعج حركة السوق في القنطرة شرق، تتوافد سيارات النقل إلى أطراف قرية البياضية. يجلس العمال، رجالًا ونساءً وأطفالًا، في الخلفية حاملين أكياسًا بلاستيكية ضخمة، وتختلط أصواتهم بحفيف أوراق القطن، في مشهد يعبّر عن البدايات الجديدة. يعرف الجميع أن هذا اليوم ليس ككل الأيام، بل هو موسم جني “الذهب الأبيض” الذي ينتظره الجميع بلهفة، مقابل 8 جنيهات للكيلو الواحد.
بارينيتي الحلقة 85

الحقول البيضاء: سحر الطبيعة

في الحقول الممتدة على مد البصر، تبدو لوزات القطن المتفتحة وكأنها حبات ثلج تتلألأ تحت أشعة الشمس. يبدأ العمال في فرد الأكياس، وتتسابق الأيدي الصغيرة والكبيرة في ملئها، بينما تتعالى ضحكات النساء وهن يرددن الأغاني الشعبية القديمة التي رافقت أجيالًا من مزارعي القطن.

فرحة المزارعين وأسرهم

يقول أحد الفلاحين بفخر: “موسم القطن هو موسم الفرح، ننتظره بشغف لنفرح أطفالنا، ونجهز العرائس، ونسدد الديون، ونشتري الذهب. القطن هو باب الرزق الذي فتحه الله للفلاح.”

أما أم محمد، سيدة خمسينية ترتدي جلبابًا وتحمي يديها بقفازات صوفية من الأشواك، فتقول: “أزرع القطن منذ 30 عامًا، وأعرف قيمته كما أعرف أولادي. القطن ليس مجرد محصول، بل هو حياة. منه جوزت بناتي وساعدت في تعليم أولادي. رغم التعب والمشقة، لا نستطيع الاستغناء عنه، لأنه يمنح البيت قيمة ويجلب فرحة لا توصف.”

العمل الجماعي في الزراعة

أما أحمد سلامة، المزارع الذي يشارك مع زوجته وأولاده في الحصاد، فيقول بحماس: “القطن يجمع العائلة كلها. نزرعه من الشتلة حتى نقطفه بأيدينا. هذا موسم رزق، وكل فرد في الأسرة له دور: النساء والرجال وحتى الأطفال. اليوم الذي نبيع فيه المحصول هو عيد لنا، لأننا نشاهد تعب السنة يعود إلينا في صورة أموال وخيرات.”

القطن: أكثر من مجرد محصول

القطن ليس مجرد محصول يُزرع ليُحصد، بل هو كنز متكامل يتم استغلال كل جزئية فيه. فتيلته الناعمة تدخل في صناعة الغزل والنسيج، لتخرج منها الأقمشة المصرية الفاخرة المعروفة عالميًا بجودتها. بذوره تُستخرج منها زيت القطن الذي يُستخدم في الصناعات الغذائية، بينما تُعتبر الكُسبة الناتجة بعد عصر الزيت علفًا غنيًا للحيوانات. حتى مخلفات القطن تُعاد تدويرها لدخولها في صناعات متعددة مثل الورق والمواد العازلة. وبعد زراعة القطن، تصبح الأرض أكثر خصوبة، مما يجعل المحصول اللاحق أكثر جودة وإنتاجية، مما يعكس القيمة الزراعية والاقتصادية للقطن كمصدر للخير.

الجهود الحكومية في دعم الزراعة

يضيف محمد حسين، مسؤول الزراعة بالقرية، أن القطن يُعتبر من أهم المحاصيل الاستراتيجية التي تميز محافظة الإسماعيلية. ويؤكد أن جودة المحصول هذا العام عالية جدًا، بفضل التقاوي المعتمدة والإرشاد الزراعي الذي يصل للمزارعين. الإنتاجية في الحقول الإرشادية أثبتت نجاحًا كبيرًا، خصوصًا مع صنف (سوبر جيزة 94) الذي يوفر محصولًا عالي الجودة ويعزز مكانة القطن المصري عالميًا.

نجاح التجارب الزراعية

يقول الدكتور سامي بدر، رئيس الفريق العلمي للحملة القومية للنهوض بمحصول القطن، إن أسلوب “الجني المحسن” ساعد في الحفاظ على صفات التيلة وزيادة القدرة التنافسية للقطن المصري في الأسواق الخارجية.

بينما أكد الدكتور محمد شطا، وكيل وزارة الزراعة بمحافظة الإسماعيلية، أن الحصاد بعد 150 يومًا فقط من الزراعة يعد نجاحًا كبيرًا للتجارب الحقلية والإرشادية. وأشار إلى أن الموسم الحالي يبشر بإنتاج وفير، مع خطط مستقبلية لزيادة المساحات المزروعة في القنطرة شرق وغرب والقصاصين والتل الكبير.

دعم المزارعين: أولوية مستمرة

أما اللواء طيار أ.ح أكرم محمد جلال، محافظ الإسماعيلية، فقد شدد على أن دعم المزارعين يبقى أولوية، وأن الدولة تعمل على تقديم كل أشكال الدعم الفني واللوجستي لتعزيز مكانة الإسماعيلية كأحد أهم المحافظات المنتجة للقطن.

ختامًا: ذكريات ووعود جديدة

ومع اقتراب الغروب، تُكدس أجولة القطن على جانبي الحقول، وتتطاير بقايا اللوزات في الهواء كأنها زينة بيضاء، وتعلو وجوه المزارعين ابتسامة رضا. في موسم القطن، لا يجني الفلاح محصولًا فحسب، بل يجني فرحة تمتد عبر الزمن، وذكريات تُكتب بأيدٍ تعبت، وحكايات لا تنتهي عن “الذهب الأبيض” الذي يبقى رمزًا للعطاء والخصوبة في أرض الإسماعيلية، ودعامة أساسية للاقتصاد المصري بما يقدمه من صادرات هامة ويغذي صناعة الغزل والنسيج محليًا ودوليًا.