تكبيرات العيد.. حكمها ومتى تبدأ ومتى تنتهي؟
كتب-محمد قادوس:
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤال يقول ،" ما حكم تكبير العيدين؟ ومتى يبدأ ومتى ينتهي؟ وهل يكبر الشخص منفردًا أم في جماعة؟ وهل يكون دبر الصلوات المكتوبة؟ وما صيغته؟
أجابت علي ذلك لجنة الفتوى بالدار ، قائله أن المراد به في تكبيرات العيد تعظيم الله عز وجل على وجه العموم، وإثبات الأعظمية لله في كلمة (الله أكبر) كناية عن وحدانيته بالإلهية؛ لأن التفضيل يستلزم نقصان من عداه، والناقص غير مستحق للإلهية؛ لأن حقيقة الإلهية لا تلاقي شيئًا من النقص، ولذلك شُرع التكبير في الصلاة؛ لإبطال السجود لغير الله، وشُرع التكبير عند نحر البُدْن في الحج لإبطال ما كانوا يتقربون به إلى أصنامهم، وكذلك شرع التكبير عند انتهاء الصيام بقوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185]؛ ومن أجل ذلك مضت السُّنَّة بأن يكبِّر المسلمون عند الخروج إلى صلاة العيد ويكبِّر الإمام في خطبة العيد، وكان لقول المسلم: (الله أكبر) إشارة إلى أن الله يعبد بالصوم، وأنه متنزه عن ضراوة الأصنام. راجع: "التحرير والتنوير" (2/ 176، ط. الدار التونسية).
والتكبير في العيدين سُنَّة عند جمهور الفقهاء؛ قال الله تعالى بعد آيات الصيام: ﴿وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ علَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185]، وحُمِل التكبير في الآية على تكبير عيد الفطر، وقال سبحانه في آيات الحج: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]، وقال أيضًا: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ علَى مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ [الحج: 28]، وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ علَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [الحج: 37].
وقال الإمام ابن حزمٍ في "الْمُحَلَّى" (3/ 304، ط. دار الفكر): [والتكبير ليلة عيد الفطر فرضٌ، وهو في ليلة عيد الأضحى حسنٌ، قال تعالى: ﴿وَلِتُكَبّرُواْ ٱللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، فبإكمال عدة صوم رمضان وجب التكبير، ويجزئ من ذلك تكبيرة] اهـ.
وبالنسبة للتكبير جهرًا وجماعة فإِنَّهُ لَمَّا كان رفع الصوت بالتكبير في أيام العيد من الشعائر، فالتكبير الجماعي أقوى وأرفع صوتًا بلا شك، فكان هو المناسب لهذه الشعيرة، وفقهاء الحنفية أوجبوا التكبير أيام التشريق على الرِّجَال والنِّسَاءِ ولو مَرَّة، وإن زادوا على المرة يكون فَضْلًا، ويُؤدى جَمَاعَةً أو انْفِرَادًا، ويكون التكبير للرِّجَالِ جَهْرًا، وتخافت المرأة بالتكبير. يراجع: "حاشية ابن عابدين على الدر المختار" (2/ 177-179).
أما المالكية فيندب عندهم التكبير للجماعة وللفرد؛ قال العلامة الصاوي في "حاشية الصاوي على الشرح الكبير" (1/ 529، ط. دار المعارف): [ويُسْتَحَبُّ الانفراد في التكبير حالة المشي للمُصَلَّى، وأما التكبير جماعة وهم جالسون في المصلى فهذا هو الذي استُحسن. قال ابن ناجي: افترق الناس بالقيروان فرقتين بمحضر أبي عمرو الفارسي وأبي بكر بن عبد الرحمن، فإذا فرغت إحداهما من التكبير كبرت الأخرى فسئلا عن ذلك؟ فقالا: إنه لحسن] اهـ.
وأما الشافعية فيُندب عندهم التكبير جماعةً جهرًا؛ قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 284، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وأمَّا (التكبير) في غيرهما -أي: الصلاة والخطبة- فضربان: (مرسل) لا يتقيد بحال، (ومقيد) يؤتى به في أدبار الصلوات خاصة. (فالمرسل) ويسمى المطلق (من غروب الشمس ليلتي العيد)، أي: عيد الفطر وعيد الأضحى، ودليله في الأول قوله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا العِدَّة﴾، أي: عِدَّة صوم رمضان ولتكبروا الله، أي: عند إكمالها، وفي الثاني القياس على الأول، ويديمه (إلى) تمام (إحرام الإمام) بصلاة العيد؛ إذ الكلام مباح إليه، فالتكبير أولى ما يشتغل به؛ لأنه ذكر الله تعالى وشعار اليوم، فإن صلَّى منفردا فالعبرة بإحرامه. (ويرفع به الناس أصواتهم) ندبًا إظهارًا لشعار العيد (في سائر الأحوال) في المنازل، والطرق، والمساجد والأسواق، ليلا ونهارًا، واستثنى الرافعي من طلب رفع الصوت المرأةَ، وظاهر أن محله إذا حضرت مع الجماعة ولم يكونوا محارم، ومثلها الخنثى] اهـ.
أما الحنابلة فعندهم الجهر بالتكبير سنة في حق الرجال بخلاف النساء، لا يسن لهن الجهر. انظر: "مطالب أولي النهى" (1/ 802، ط. المكتب الإسلامي).
وقد استدلَّ الفُقَهَاءُ على اسْتِحْبَاب تكبير العيد جماعةً جَهْرًا بأدلة كثيرة، منها:
واضافت لجنة الفتوى بالدار عبر بوابتها الرسمية، بأنه لا شَكَّ أنَّ الأصوات الجماعية أقوى في ارتِجَاجِ مِنى من الأصوات الفردية، فهذا يدل على صحة التكبير جماعةً، وحيث ثبت جواز التكبير في العيد جماعة عن الصحابة والسلف وفقهاء المذاهب، فالهيئة المحققة لذلك تكون بالتوافق بين الجماعة بصوت واحد، فإن جلس المجتمعون للتكبير جماعة جهرًا بغير توافق أدى ذلك إلى حدوث التشويش الذي يكر على مقصود الذكر بالبطلان، حيث يذهب الخشوع.
اشارات الدار علي التّكبير في أدبار الصّلاة لا خلاف بين الفقهاء في مشروعيَّته في أيَّام التَّشريق، وهو مندوب عند جمهور الفقهاء، وواجب عند الحنفيَّة.
وأوضحت لجنة الفتوى بالنسبة لصيغة التكبير فلم يرد شيء بخصوصه في السنة المطهرة، ولكن درج بعض الصحابة منهم سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه على التكبير بصيغة: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد) والأمر فيه على السعة؛ لأن النص الوارد في ذلك مطلق، وهو قـوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185]، والْمُطْلَقُ يُؤْخَذُ على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده في الشرع؛ فجاء في "غمز عيون البصائر" للحموي (2/ 217، ط. دار الكتب العلمية): [والمطلق يجري على إطلاقه إلا بدليل] اهـ.
ودرج المصريون من قديم الزمان على الصيغة المشهورة وهي:
(الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أنصار سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا)، وهي صيغة شرعية صحيحة.
قال عنها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في "الأم" (1/ 276، ط. دار المعرفة): [وإن كبر على ما يكبر عليه الناس اليوم فحسن، وإن زاد تكبيرًا فحسن، وما زاد مع هذا من ذكر الله أحببتُه] اهـ.
وزيادة الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأنصاره وأزواجه وذريته في ختام التكبير أمر مشروع؛ فإن أفضل الذكر ما اجتمع فيه ذكر الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفتح للعمل باب القبول فإنها مقبولة أبدًا حتى من المنافق كما نص على ذلك أهل العلم؛ لأنها متعلقة بالجناب الأجلِّ صلى الله عليه وآله وسلم.
وبناءً على ذلك فقد أكدت لجنة الفتوى بالدار ، بأن التكبير سُنَّة عند جمهور الفقهاء، يبدأ قبل بداية أيَّام التَّشريق، على اختلاف في بدايته بين ظُهْرِ يوم النَّحْرِ وفجر يوم عرفة، ونهايته يكون عصر آخر أيّام التّشريق، ويجوز -على ما بيَّناه في البداية- أن يكون في جماعة أو فرادى، والجماعة أفضل لما بيَّناه، وصيغته لم يرد شيء بخصوصها في السُّنَّة الْمُطَهَّرة، والصيغة المشهورة التي درج عليها المصريون شرعية وصحيحة، ومن ادعى أن قائلها مبتدع فهو إلى البدعة أقرب؛ حيث حجَّر واسعًا وضيَّق ما وسعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وقيَّد الْمُطْلَق بلا دليل، ويسعنا في ذلك ما وسع سلفنا الصالح من استحسان مثل هذه الصيغ وقبولها وجريان عادة الناس عليها بما يوافق الشرع الشريف ولا يخالفه، ونهيُ مَنْ نَهَى عن ذلك غير صحيح لا يلتفت إليه ولا يعول عليه.
والله سبحانه تعالى أعلم.