مدارس الوطن في الغربة.. ملجأ الطلاب السودانيين
كتب- محمود الطوخي:
على غير عادتها ازدحمت المدرسة السودانية بالجيزة في الوقت الحالي بعديد الأسر الوافدة حديثا بعد الحرب، كحال محمد عبد العظيم الذي أتى بُغية التقديم لأبنائه فيها بعدما فوتت عليهم الأحداث الأخيرة في السودان عاما دراسيا: "أنا لدي 6 أبناء منهم اثنين التحقوا بكلية الطب والزراعة في جامعة عين شمس والباقي في مراحل التعليم المختلفة".
في بداية أبريل الماضي تأهب الطلاب في السودان لاستقبال الامتحانات النهائية للعام الدراسي، الجميع منكب على كتبه وكراساته للمراجعة وخصوصا طلبة الثانوية السودانية الذين سينطلق ماراثون امتحاناتهم في العاشر من يونيو، لكن شيئا لم يكن في الحسبان بعثر خططهم.
الحرب التي بدأت منتصف أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع ألهتهم عن مساعيهم، وأجبرت كثير من الأسر على الفرار، فالقذائف المتساقطة جعلت حيواتهم على المحك، بعدما طالت كثير من المؤسسات التعليمية هناك وقضي ثلاثة تلاميذ بعد أيام من بدايتها يقول عبد العظيم: " بعد أربعة أيام من بداية الحرب بدأ الخطر يقترب يوما بعد آخر، فقررت اصطحاب أسرتي والقدوم إلى مصر؛ خوفا من عمليات الاغتصاب التي انتشرت آنذاك".
بعد أيام قليلة تعطلت المدارس عن العمل ونزح غالبية المعلمين من الخرطوم إلى مختلف الولايات أو إلى خارج السودان: "التحقت كلتا ابنتاي الكبيرتين بجامعة عين شمس أما الأطفال فكان من الصعب إدخالهم المدارس المصرية بسبب الاختلافات الثقافية والاجتماعية وكذلك اختلاف المناهج الدراسية".
استوفي الرجل الأربعينى الذي اعتاد العمل في تجارة الأدوات المكتبية بين مصر والسودان، كافة الإجراءات الخاصة بالمدرسة بعدما قدّم الأوراق الثبوتية التي تؤكد تخطيهم للسنوات الدراسية السابقة وفقا للوائح القبول المعتادة، وكذلك المصروفات التي تتراوح بين 15 ألفا إلى 18 ألف جنيه بحسب المرحلة التعليمية وفق مصطفي إدريس المدير المالي للمدرسة.
أقرّت المدرسة تسهيلات في سداد المصروفات؛ للتيسير على الوافدين الجدد عن طريق تخفيضات مالية أو تسديدها عن طريق الأقساط يقول إدريس: "الأسرة التي تُلحق أكثر من طالب بالمدرسة تحصل على حسم أكبر، كذلك تقدم المدرسة منحاً مجانية للمتعسرين من الجالية السودانية".
اختلف الحال بالنسبة للخنساء إبراهيم، معلمة بإحدى مدارس ولاية الخرطوم، التي واجهت صعوبات كبيرة في استيفاء الإجراءات، إذ أتت إلى مصر قبل بدء الحرب رفقة زوجها المريض وأطفالها الأربعة بقصد العلاج: " لم أُحضر الأوراق الثبوتية لأننا كنا نخطط للعودة إلى السودان بعد انقضاء فترة العلاج وهو ما فوّت العام الدراسي على أبنائي وصعب من إلحاقهم بالمدارس المصرية نتيجة انتهاء الإقامة كما كانوا سيواجهون صعوبة في التأقلم".
واشترطت مصر التي استقبلت أكثر من 200 ألف مواطناً سودانياً منذ اندلاع الاشتباكات السودانية، الحصول على تأشيرة مسبقة لدخول الوافدين السودانيين عقب اكتشافها أنشطة غير مشروعة، وفقا لبيان المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية يونيو الماضي.
أُجبرت الأم صاحبة الـ 34 عاما على التدريس لأطفالها في المنزل بعدما طالبتها السلطات بتجديد الإقامة: "أمهلتنا الدولة 6 أشهر لتجديد الإقامة لكنني لا أستطيع حاليا بسبب الظروف المالية الطارئة".
تشهد المدرسة التي تتبع وزارة التربية والتعليم السودانية وتسع 500 طالب بمختلف المراحل التعليمية، إقبالا كبيرا من أولياء أمور الطلبة الهاربين من الحرب، وهو ما دفع إدارة المدرسة إلى استئجار مبنى آخر لاستيعاب الأعداد الوافدة كما يقول الدكتور فتح الرحمن فضل المولى مدير المدرسة: " "يتم إرسال الإجابات إلى السودان للتصحيح لكن لظروف الحرب لم يتم إتمامها وتأجيلها إلى أجل غير مسمى وإلى الآن لم نتلق أية تعليمات حول موعد بدء العام الدراسي الذي يبدأ عادة في سبتمبر".
يبين فضل المولى أن إجراءات الالتحاق بالمدرسة تبدأ بتقديم ولي أمر الطالب الأوراق الثبوتية للطالب وبعض المستندات الأخرى الخاصة بالسنة الدراسية التي وصل لها الطالب في السودان لعقد امتحان مستوى لتحديد السنة الدراسية المنقول إليها يقول "كل مرحلة دراسية لها مصاريف مختلفة عن مرحلة أخرى".
رغم انتهاء العام الدراسي، حرصت المدرسة على تقديم مجموعات تقوية للطلبة الذين لم يدركوا الامتحانات، في خطوة تهدف إلى تثبيت المناهج الدراسية في ذاكرة الطلاب، كما يوضح طه بدر الدين مدرس الفيزياء، الذي وقف داخل أحد الفصول الدراسية أمام الطلاب يشرح جزءا من المقرر الخاص بالثانوية السودانية (تعادل الثانوية العامة في مصر) يقول: "نقوم بتدريس المناهج السودانية حتى نذكرهم بها لأنهم المفروض يكونوا امتحنوا في أواخر يونيو الجاري لكن بسبب ظروف الحرب لم يتمكنوا من ذلك".
سيباشر عبد العظيم عمله بين مصر ومختلف ولايات السودان بعدما باتت أسرته في مأمن واطمئن بالحاق بناته بالمدرسة، وسيتمكن أطفال الخنساء من التواجد في مناخ دراسي هو الأشبه بذلك الذي اعتادوه في الخرطوم رغم وقوعه على بعد مئات الكيلومترات منها، وستبقى المدرسة باب التقديم مفتوحا أمام الراغبين في الالتحاق بها.