-

الاعتراف بإسرائيل شرطاً.. قانون الجنسية

(اخر تعديل 2024-09-09 15:26:01 )
بواسطة

برلين - (بي بي سي)

يشترط قانون جديد، دخل حيز التنفيذ في ألمانيا يوم الثلاثاء، على المتقدمين للحصول على الجنسية أن يقروا بحق دولة إسرائيل في الوجود.

وكانت حكومة المستشار أولاف شولتس قد وعدت بمنح الجنسية المزدوجة كجزء أساسي من حملتها الانتخابية في عام 2021، مع تقليص فترة الانتظار للحصول على جواز السفر الألماني إلى خمس سنوات بدلاً من ثماني سنوات. ويسمح القانون الجديد أيضا للمهاجرين من الجيل الأول بحمل جنسية مزدوجة. كما تم إدراج أسئلة جديدة في اختبار الجنسية الألماني تتعلق بالعقيدة اليهودية وحق إسرائيل في الوجود.

تعد ألمانيا موطنا لأكبر الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا وهي جالية تتميز بالتنوع العرقي، فمن بين خمسة ملايين ونصف مليون مسلم في ألمانيا، يشكلون 6.6 في المئة من إجمالي عدد السكان، هناك نحو 2.5 مليون من أصول تركية ( نحو 45 في المئة من عدد المسلمين في البلاد).

لكن في الآونة الأخيرة، فرضت حرب غزة تحديات غير مسبوقة على بعض المسلمين والعرب في ألمانيا، إذ أصبح التضامن مع الفلسطينيين وكيفية التعبير عن هذا التضامن، قضية رأي عام في البلاد.

وصدرت قرارات وتشريعات تضع قيودا على تنظيم الاحتجاجات، وأخرى تمنع ارتداء أزياء معينة مثل الكوفية الفلسطينية في مدارس العاصمة برلين.

مسؤولية خاصة تجاه إسرائيل

تقول الحكومة الألمانية إن القيود تُفرض لوقف الاضطرابات العامة ومكافحة معاداة السامية.

فبعد الهولوكوست وإبادة 6 ملايين يهودي على يد الحكومة النازية في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ترى الدولة الألمانية أن لديها "مسؤولية خاصة" تجاه إسرائيل، فالتزامها للدولة الإسرائيلية أمام إسرائيل، حسب مسؤولين ألمان، هو ليس مجرد هدف سياسي؛ بل هو جزء أساسي من وجود ألمانيا في الوقت الحالي.

وخلال إدانته لهجمات مسلحي حماس في السابع من أكتوبر والتي قتلت نحو 1200 شخص في إسرائيل، قال رئيس الوزراء الألماني أولاف شولتس، في خطاب موجه للبرلمان (البوندستاغ) "في هذه اللحظة، هناك مكان واحد فقط لألمانيا، وهو جانب إسرائيل".

كما استخدم مصطلح "شتاتسريزون" والذي يعني "سبب وجود الدولة"، أكثر من مرة لتأكيده على أن حماية الدولة الإسرائيلية هو سبب وجود ألمانيا. وسبق أن استخدمت رئيسة الوزراء السابقة أنجيلا ميركل نفس المصطلح والذي بات جزءا من الهوية الألمانية.

"أجواء خوف وقلق"

يتحدث عرب في ألمانيا عن استيائهم من سياسة البلاد التي يرون أنها "لا تستمع للفلسطينيين، وتتجاهل تاريخهم".

تقول سارة (اسم مستعار) وهي محامية فلسطينية مقيمة في برلين، إن هناك زيارات لمدراس المدينة، تقوم بها منظمات ومؤسسات إسرائيلية ويهودية، من أجل إطلاع الطلاب على تاريخ اليهود ونشر الوعي حول ما تعرضوا له، إلا أنهم في مدرسة ابنها (٩ سنوات)، لم يتحدثوا أبدا عن وجهة النظر الفلسطينية، والنكبة وسبب نزوح مئات آلاف الفلسطينيين.

أضافت سارة "أصبح ابني يبكي بعد المحاضرة التي تلقاها، والتي لم تذكر أي شيء عن أصوله وتاريخ البلاد الذي سمع أهله وأجداده يتحدثون عنها".

تقول سارة إن زوجها يحذر ابنهم من الحديث عن الأراضي الفلسطينية وحرب غزة في المدرسة، لتفادي أي مشاكل أو سوء فهم.

وتتابع: "القرارات التي اتخذتها السلطات في برلين مثل منع ارتداء الكوفية أو العلم الفلسطيني تخلق أجواء من الخوف والقلق لدى الأهالي والطلاب، وتحمل لهجة تهديدية تعطي المدارس صلاحية مطلقة قد تصل إلى تبليغ الشرطة. أتمنى أن تقترح السلطات حلا تربويا بدل جو الغموض والقلق الذي يسيطر على الجميع".

يقول علاء إحسان، صحفي مقيم في مدينة هامبورغ، إنه لا يعمل في الفترة الحالية على أي تقرير حول حرب غزة، ويفضل الأخبار المحلية لأن "الإعلام في ألمانيا يقف مع الرواية الإسرائيلية بشكل كامل. وأعلم أن أي تقرير سأكتبه عن غزة سيعدله مدرائي حسب السياسة التحريرية للمؤسسة، أحاول تفادي ذلك".

وبينما يقول علاء إنه من الصعب إنكار وجود حالات للعداء للسامية وسط العرب وإقراره بأن هتافات غير مقبولة شابت بعض المظاهرات، لكنه يشدد على رفض التعميم بشأن معاداة السامية..

ويرى علاء أن السياسات الحالية "ستزيد من الشقاق في المجتمع الألماني"، ويرفض تعميم بعض الممارسات أو الهتافات المعادية للسامية على جميع العرب.

تاريخ معقد وإشكال قانوني

تقول الأكاديمية كاترينا غالور المختصة بالدراسات اليهودية في جامعة براون الأمريكية، والتي تحمل الجنسيتين الألمانية والإسرائيلية، إن تعريف معاداة السامية في ألمانيا هو تعريف "سياسي بحت، ليس مبنيا على توافق علمي أو فهم تاريخي حقيقي لما يشكل معاداة للسامية".

وتضيف أن البوندستاغ تبنى تعريفا لمعاداة السامية وضعته الإدارة الدولية للتذكير بالهولوكوست، وهو التعريف الذي يضم 11 نقطة بينها سبع متعلقة بموقف الفرد من إسرائيل، وقد أدى ذلك إلى الارتباك بين انتقاد إسرائيل وبين مظاهر معاداة السامية.

وتوضح كاترينا أن هناك خلطا بين معاداة السامية وانتقاد إسرائيل قائلة: "وأحيانًا يمكن أن يكون انتقاد إسرائيل معاديًا للسامية أو يمكن أن يكون غطاءً لمعاداة السامية. لكن هذا لا يعني أن الاثنين متطابقان. وهذا واضح بشكل خاص عندما نفكر في معاداة السامية كشكل من أشكال العنصرية التي توجه ضد اليهود. لأن هناك العديد من اليهود، واليهود الإسرائيليين الذين ينتقدون دولة إسرائيل".

وتتراوح التقديرات حول عدد الفلسطينيين في ألمانيا أكثر من مئة ألف، وفي الوقت نفسه، تعد برلين موطنا لأكبر الجاليات الإسرائيلية في ألمانيا.

وترى غالور أن هناك رغبة، خاصةً بين حركات اليمين و بعض الأحزاب السياسية، في تحميل اللاجئين مسؤولية زيادة مظاهر معاداة السامية. وتضيف أن معظم حوادث معاداة السامية في ألمانيا منذ عام 2015 كانت من تنفيذ ألمان بِيض وليسوا من اللاجئين. مضيفة أن هناك أيضا "اهتماما من قبل المهاجرين من الشرق الأوسط بالتعرف على الهولوكوست واستيعاب مفهوم الديمقراطية الألماني ومحاولة الاندماج، وهناك فعلاً استعداد كبير للتعلم وفهم الخطاب الألماني".

ولكن بالطبع، تقول غالور، علينا أيضا الإقرار "بأن الألمان في كثير من الأحيان لديهم توجه للتعميم حيال الشعوب الشرقية وعدم رؤيتهم أو التعرف عليهم كأفراد".

وأخيرا عبرت غالور عن قلقها من صحف التابلويد الألمانية التي "تدعي أن حشود المتظاهرين بأكملها تدعم الإرهاب، وهو أمر مضلل. بالتأكيد يشمل جموع المتظاهرين أطيافا عديدة بما في ذلك الذين يمتلكون آراءً معقدة".

وتشرح غالور الأمر بالقول إن هؤلاء الفلسطينيين يواجهون تحديات في التعبير عن آرائهم ومعرفتهم ومعاناتهم دون أن يُنظر إليهم على أنهم معادون لإسرائيل.

"يجد الفلسطينيون صعوبة في الظهور على التلفزيون أو إجراء مقابلات دون التعرض لاتهامات بمعاداة السامية. وتمتد هذه الصعوبة إلى المفكرين والأكاديميين والفنانين الفلسطينيين الذين، على الرغم من عدم إدلائهم بأي تصريحات سياسية، واجهوا سحب الدعوات المشاركة في الفعاليات وخطر وصمهم بمعاداة السامية، ما يعرض مسارحهم المهنية للخطر. أصبح مجرد كون الشخص فلسطينيا يجعله موضع اتهام".

وتختتم غالور حديثها بالقول إن "هناك رابطا تاريخيا واضحا في ألمانيا بين الهولوكوست وضرورة إنشاء إسرائيل، إلا أن الرابط الآخر والذي تتجاهله الحكومة الألمانية، هو العلاقة بين الهولوكوست والنكبة الفلسطينية، والتي أدت إلى أحد أكبر أزمات اللاجئين في العالم".