أسرار كسر الأنوف في التماثيل الفرعونية
لغز الأنوف المكسورة
منذ قرون طويلة، لا يزال مشهد الأنوف المكسورة في التماثيل الفرعونية يعد لغزاً يثير فضول العلماء والباحثين في تاريخ الحضارة المصرية القديمة. هذا اللغز ليس مجرد نتيجة لمرور الزمن أو عوامل التآكل، بل يحمل دلالات أعمق تتعلق بعقائد المصريين القدماء ومعتقداتهم في الحياة بعد الموت.
الزوجة الأخرى الحلقة 37
العقائد المرتبطة بكسر الأنوف
يقول الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، إن هناك العديد من النظريات التي تناولت أسباب كسر الأنوف في التماثيل المصرية القديمة. أبرز هذه النظريات تتعلق بعقيدة البعث والخلود التي كانت راسخة في فكر المصري القديم.
كان المصريون القدماء يؤمنون بأن الإنسان سيعود للحياة بعد الموت، ولذلك كانوا يعتنون بمقابرهم بشكل كبير، ويضعون فيها كل ما يحتاجه المتوفى في رحلته إلى العالم الآخر.
لصوص المقابر وكسر الأنوف
مع مرور الزمن، ظهرت فئة من اللصوص الذين سعوا لسرقة محتويات المقابر، مثل الذهب والمقتنيات الثمينة. وكان هؤلاء اللصوص يعتقدون أن كسر أنف التمثال يمنع عودة الروح للجسد، حيث إن الأنف يعد رمزاً للتنفس والحياة. وقد كانوا يظنون أنهم بهذه الطريقة يتفادون لعنة الفراعنة أو انتقام المتوفى منهم في حال عودته للحياة.
نظريات أخرى حول كسر الأنوف
هناك نظرية أخرى، وإن كانت أقل شيوعاً، تشير إلى أن أعداء الملوك المتوفين هم من عمدوا إلى كسر الأنوف، بهدف تشويه ملامح التماثيل ومحاولة محو رموز قوتهم وهيبتهم. كما يرجح بعض الباحثين أن الأنف يعد من أضعف أجزاء التمثال، مما يجعله أكثر عرضة للكسر أثناء الحفر أو النقل، أو حتى بفعل العوامل الزمنية.
لكن بعض العلماء يعارضون هذا الرأي، مؤكدين أن أجزاء أخرى من التماثيل، مثل التيجان والأذنين، بقيت سليمة رغم مرور آلاف السنين. ومن اللافت أيضاً أن هناك تماثيل مصنوعة من أقسى أنواع الأحجار، مثل الديوريت الأخضر، تعرضت للكسر في منطقة الأنف فقط، مما يضعف فرضية التآكل الطبيعي.
تمثال أبو الهول والجدل المحيط به
أما بالنسبة لتمثال أبو الهول، فقد حظي بنصيب الأسد من الجدل بسبب أهميته ومكانته التاريخية. هناك روايات عديدة حاولت تفسير سبب فقدان أنفه، منها ما يقال إن مدافع نابليون بونابرت تسببت في تدميره أثناء وجوده في مصر عام 1798. لكن هذا الادعاء تم نفيه علمياً وتاريخياً.
فقد زار مستشرق دنماركي يدعى فريدريك نوردن مصر عام 1737، أي قبل وصول نابليون بأكثر من ستين عاماً، ورسم لوحة لأبو الهول تظهره بلا أنف، مما يؤكد أن الكسر حدث قبل الحملة الفرنسية بسنوات طويلة.
روايات أخرى حول كسر الأنف
هناك رواية أخرى نقلها المؤرخ المقريزي تفيد بأن شخصاً متصوفاً يدعى صائم الدهر هو من أقدم على كسر أنف التمثال، بعد أن رأى بعض الناس يقدسونه واعتبره صنماً يجب تشويهه. كما أن هناك رأي آخر يقول إن أمراء الدولة الحديثة استخدموا أنف أبو الهول كهدف في مسابقات رمي السهام، مما أدى مع مرور الوقت إلى تحطيمه.
الخلاصة
في الختام، أكد الدكتور مجدي شاكر أن الرأي الذي يتفق عليه أغلب المتخصصين اليوم هو أن ضعف منطقة الأنف في التركيبة الحجرية للتماثيل جعلها أكثر عرضة للكسر، سواء بفعل الإنسان أو الزمن. تبقى هذه العلامة الفريدة شاهدة على أسرار حضارة ما زالت تبهر العالم حتى اليوم.