-

قصة تمثال حرّمه الناس في الإسكندرية وأحلته فتوى

(اخر تعديل 2024-09-09 15:26:01 )
بواسطة

الإسكندرية - محمد البدري:

قبل 152 عاما وصل تمثال محمد علي باشا إلى ميدان المنشية في الإسكندرية قادما من فرنسا، ليزاح عنه الستار كأحد أهم التماثيل في مصر والعالم العربي باعتباره أول عمل فني مجسم لتخليد شخص يتم وضعه بميدان عام ببلد مسلم في العصر الحديث، إلا أنه كان له قصة مثيرة للجدل.

قصة التمثال كما توثق ذاكرة مصر المعاصرة بدأت عام 1865 عندما أراد الخديوي إسماعيل إقامة تمثالا يخلد ذكرى جده محمد علي باشا مؤسس الدولة المصريةالحديثة، وكان من المقرر وضع التمثال في مدينة الإسماعيلية، ثم جرى تعديل وجهته ليقام بميدان المنشية بالإسكندرية.

وقع الاختيار على النحات الشهير "الفريد جاكمار" والذي يعد أحد أشهر المثالين الفرنسيين الذين عاشوا في القرن التاسع عشر، ليبدأ مهمته في نحت التمثال.

ووفقا لما ذكره كتاب الخطط التوفيقية لـ علي باشا مبارك، بلغت تكلفة التمثال 2 مليون فرانك، وهي قيمة باهظة جدا بالنسبة لتلك الفترة.

تمثال محمد علي من الشانزليزيه إلى المنشية

في يوليو عام 1872 انتهي "جاكمار" من نحت التمثال ليتم عرضه لمدة شهر في شارع الشانزليزيه بفرنسا، وأرسل جاكمار صديقه المعماري "امبرواز بودري" إلى مصر ليخطر الحكومة المصرية بأن التمثال تم إنجازه، وصمم المثال "بودري" قاعدة التمثال من الرخام، وفي 19 ديسمبر 1872 كان الاحتفال الرسمي بإقامة التمثال وسط ميدان "القناصل" المنشية حاليا، بعد وضعه على قاعدته الرخامية.

أسود قصر النيل كانت ستجاور التمثال.. لماذا رحلت عنه؟

من المفارقات التاريخية أن الأسود الأربعة الموجود على كوبري قصر النيل - كوبري الخديوي إسماعيل سابقا - كانت مصممة لوضعها حول تمثال محمد علي باشا في ميدان المنشية بالإسكندرية "ميدان القناصل سابقا"، حيث مخططا لها أن تكون بأبعاد أصغر حجما حول قاعدة تمثال مؤسس الأسرة العلوية لتمنحه مزيدا من الفخامة والقوة، إلا أنه جرى تغيير الخطة عقب اندلاع حالة من الغضب بين أهالي الإسكندرية ضد وضع التماثيل لحرمانيتها من وجه نظرهم في هذا الوقت.

ويوضح الدكتور إسلام عاصم أستاذ الإرشاد السياحي والتاريخ الحديث والمعاصر، لمصراوي، أنه في عام 1871 طلب الخديوي إسماعيل من المثال الفرنسي "جاكمار"عمل 4 تماثيل من البرونز على شكل أسود لوضعها حول تمثال جده محمد على باشا بالإسكندرية، واقترح جاكمار أن تكون تلك التماثيل متوسطة الحجم لتمنح مزيدا من القوة للتمثال الرئيسي حتى بدأ نحت التماثيل من البرونز في فرنسا.

ويضيف أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، في تصريحات خاصة لمصراوي؛ أن تماثيل الأسود الأربعة وصلت إلى الإسكندرية بعد إزاحة الستار عن تمثال محمد علي ولكنها لم توضع حول التمثال قط، والسبب في ذلك يرجع إلى موجة رفض سيطرت على بعض رجال الدين وانتقلت إلى أبناء المدينة ضد التمثال حيث يعد أول عمل من نوعه يجسد شخصية عامة يوضع في ميدان عام في ذلك العصر، وجاء الرفض الجماهيري تأثرا بدعوات ذات طابع ديني حذرت من شبهة تمجيد التمثال وكأنه وثنا سيعيد أفكار الجاهلية.

وأشار "عاصم" إلى أنه في هذا الوقت أصدر الإمام الشيخ محمد عبده فتواه الشهيرة بعدم تحريم الأعمال الفنية ومنها التماثيل طالما أنها ليست محل عبادة أو تقديس وإنما للتكريم لتهدأ بعدها ثورة أهالي المدينة، كما تم إعادة تصميم القاعدة والميدان ووضع التمثال داخل مستطيل حتى لا يطوف الناس حوله.

فتوى الشيخ محمد عبده تنفي شبهة تحريم الفن

وأصدر الشيخ محمد عبده أحد أبرز المجددين في الفقه الإسلامي فتوى تنفي شبهة التحريم عن الفن التشكيلى والتمثيل والموسيقى؛ وقال الإمام "حفظت هذه الرسوم من أحوال الأشخاص في الشؤون المختلفة ومن أحوال الجماعات في المواقع المتنوعة ما تستحق به أن تسمى ديوان الهيئات والأحوال البشرية".. "وإنك إذا نظرت الرسم -وهو ذلك الشعر الساكت- تجد الحقيقة بادرة لك تتمتع بها نفسك كما يتلذذ بالنظر فيها حسك وحفظ هذه الآثار حفظ للعلم في الحقيقة."..ويضيف الإمام "يغلب على ظني أن الشريعة الإسلامية أبعد من أن تحرم وسيلة من أفضل وسائل العلم بعد تحقيق أنه لا خطر فيها على الدين لا من جهة العقيدة ولا من جهة العمل."

نقل الأسود الأربعة للكوبري الشهير بالقاهرة

أما الأسود الأربعة فتراجع الخديوي إسماعيل عن رأيه بشأنها بعد افتتاح الكوبري - قصر النيل - وأمر بنقل تماثيل الأسود الأربعة لتوضع على الكوبري الشهير في القاهرة، وأرسل إلى جاكمار الذي عدل أبعادها لتناسب موقعها الجديد، وجرى وضعها على كوبري قصر النيل منذ عام 1875.