لماذا انقلبت بولندا على أوكرانيا وتأثيره على
بي بي سي
منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، كانت بولندا داعمًا قويًا لكييف في حربها ضد هذا الهجوم.
وكثيرا ما كانت وارسو سباقة في إرسال المساعدات والمعدات العسكرية للقوات الأوكرانية، ودافعت بحماس عن هذا الدعم وقالت إنه ضروري لحماية بولندا نفسها من أي عدوان روسي مستقبلي.
لكن حاليا فإن التغير في لهجة الحكومة البولندية في التعامل مع الوضع في أوكرانيا أمر مروع.
الآن فجأة يبدو الأمر وكأن السكاكين السياسية قد خرجت وتوجهت نحو كييف، ويوجد حديث عن ضرورة إظهار كييف "الامتنان" للدعم البولندي.
كما حذر رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيتسكي، هذا الأسبوع، من إمكانية إنهاء عمليات نقل الأسلحة إلى كييف، على الرغم من أن آخرين في حزبه سارعوا بعد ذلك إلى التخفيف من حدة هذه الرسالة.
ولكن لم يكن هناك التباس أو سوء تفسير لكلمات الرئيس البولندي أندجي دودا، الذي شبه أوكرانيا برجل يغرق ثم يحاول أن يجر رجال الإنقاذ معه إلى الغرق.
بدأ التراجع الحاد في العلاقات بين الدولتين المتجاورتين بسبب النزاع حول واردات الحبوب الأوكرانية إلى بولندا، ولم يتم التوصل إلى حل بشأنه.
تكمن المشكلة في رغبة أوكرانيا تصدير محصولها من الحبوب عبر الطرق البرية الهامة حاليا، نظرا لأن روسيا تهاجم عمدا الموانئ على البحر الأسود ونهر الدانوب.
ولكن بولندا تحاول حماية مزارعيها ومنتجاتها المحلية، لذلك لن تسمح بدخول الحبوب الأوكرانية الرخيصة إلى أسواقها لمجرد أنها سوف تمر عبرها إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي.
بالنسبة لحزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا، فإن المعادلة بسيطة، فالمزارعين لا يريدون الحبوب الأوكرانية في البلاد، والحزب يريد أصوات المزارعين في انتخابات الشهر المقبل، لذلك سوف يعمل من أجلهم.
ورغم غضب كييف، فإن الفضاء الإعلامي ومنصات التواصل الاجتماعي في بولندا تضج حاليا بحوارات ما قبل الانتخابات، وفي بعض الأحيان تكون اللهجة شريرة إلى حد صادم.
يتقدم حزب القانون والعدالة في استطلاعات الرأي، لكن بهامش ضيق عن منافسيه ويعتقد معظم المعلقين أن موقف الجميع متقارب.
وفي المعركة من أجل الأصوات، وضع حزب القانون والعدالة نفسه باعتباره أقوى مدافع عن المصالح البولندية. لذلك فهو يستخدم عدة أوراق رابحة منها إعادة النظر في كيفية مساعدة أوكرانيا بالإضافة قضايا شعبوية أخرى مثل الهجرة.
يوضح بيوتر لوكاسيفيتش، من مجموعة بوليتيكا إنسايت للتحليل أن "الأمر لا يتعلق بالحبوب، ولا يتعلق بالأسلحة. إنه يتعلق بالمشاعر السائدة بين الناخبين المحافظين، وهي القضية الكبرى بالنسبة لحزب القانون والعدالة، وعليهم أن يستغلوا هذه المشاعر".
ويقول لوكاسيفيتش: "إنها (هذه المشاعر) مبنية على فكرة أن أوكرانيا لا تقدم الشكر الكافي (للدعم البولندي) وأن الأوكرانيين هنا يحصلون على الكثير من الخدمات الاجتماعية والتمويل".
ويحاول حزب القانون والعدالة استقطاب الناخبين من حزب كونفيدراكيا اليميني المتطرف، الذي يحظى حاليا بدعم يقارب 10 بالمئة.
وفي هذا الأسبوع، اعتصم أعضاء حزب كونفيدراكيا أمام السفارة الأوكرانية في وارسو ورفعوا لافتات ساخرة عليها فاتورة الدعم الذي حصلت عليه كييف من وارسو.
وأعلن كونفيدراكيا أن التكلفة الإجمالية للمساعدات التي حصلت عليها كييف تجاوزت 100 مليار زلوتي (23.1 مليار دولار) وكتب: "المدفوع: صفر. الامتنان: لا شيء".
وانتقدت المعارضة البولندية سلوك الحكومة ووصفوه بأنه قومي خطير. لكن التحول في لهجة بولندا تجاه أوكرانيا لن يأت منفردا.
وتخيم ظلال "الإرهاق (الغربي) من الحرب في أوكرانيا" على الحملات الانتخابية من سلوفاكيا إلى الولايات المتحدة، مما يشكل مصدر قلق بالغ لكييف التي تحتاج إلى دعم غربي مستمر وقوي في قتالها ضد روسيا.
لكن الحكومة البولندية تؤكد استمرار مرور المساعدات الدولية إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا عبر أراضيها ومدينة رزيسزو في الشرق، وهي مركز حيوي لكل شيء يمر من الدبابات إلى الرصاص.
وفي الوقت نفسه، تتواصل المحادثات بين أوكرانيا وبولندا بشأن نزاع الحبوب.
"الكلمات مهمة"
يبدو أن هناك جهوداً تبذل من الجانبين لمنع الحرب الكلامية من التصاعد إلى أزمة شاملة. وبينما يسعى حزب القانون والعدالة، إلى الحصول على أصوات المحافظين في المناطق الريفية، فإن الدعم لأوكرانيا هنا في وارسو يظل قويا.
قالت لي فيكتوريا، التي تعيش في مدينة ترفع الأعلام الأوكرانية على نوافذ المباني للتضامن وتضم الكثير من اللاجئين الأوكرانيين: "بالتأكيد ليس من الجيد أن نحد من المساعدة.
ما تفعله روسيا غير مقبول. يجب أن ندافع عن أنفسنا ونساعد أوكرانيا في الدفاع عن حريتها". بينما اقترح رافا، "أعتقد أن هذه أداة تستخدمها الحكومة للفوز في الانتخابات. إنهم يلعبون على كل المشاعر وهذا خطاب قذر قبل الانتخابات".
وأضاف، "آمل أن يكون الأمر مجرد كلام. الأمر يعتمد على من سيفوز في الانتخابات. وفي غضون شهر واحد، سيكون ذلك واضحا".
لكن البعض يعتقد أن الضرر الذي لحق ببولندا قد وقع بالفعل. يقول المحلل بيوتر لوكاسيفيتش: "الكلمات مهمة، أعتقد أنه ستكون لها عواقب وستكون سيئة بالنسبة لبولندا".