-

حفره مغربي قبل 200 عام.. بئر المهدلي سقى الحجاج

حفره مغربي قبل 200 عام.. بئر المهدلي سقى الحجاج
(اخر تعديل 2024-09-09 15:26:01 )
بواسطة

السويس - حسام الدين أحمد:

قبل أكثر من 200 عام أتي رجل صالح مع قافلة الحجاج من المغرب العربي، نزل في منطقة الغريب، هنا الترانزيت الأخير للحجاج قبل عبور البحر، حفر بئرا كان له أن ينقذ أهل المدينة الذين استضافوه بعد 150 عاما في أيام حصار العدو الإسرائيلي للمدينة أبان حرب أكتوبر 1973.

عرف أهل مصر والمغرب العربي مدينة "القلزم" وهو اسم السويس قديما، عتبة الحجاج إلى بيت الله الحرام، يعبر خلالها المسلمين من شمال أفريقيا ودول المغرب العربي قاصدين بلاد الحرمين، يبحرون في فُلك صغيرة من الميناء القديم عند الخور، قاصدين موانئ بلاد الحجاز، أو يعبرون البحر إلى سيناء من خليج السويس قبل حفر القناة، ويستكملون رحلاتهم برا عبر بلاد الشام ومنها إلى أراضي المملكة العربية السعودية حاليا.

الشيخ المهدلي

"البئر عمره أكثر من 200 سنه حفره سيدي الشيخ المهدلي" يحكي عم صبحي يوسف عن قصة بئر المياه الكائن في محل إصلاح الأحذية الذي ورثه عن والده، ويقول إن البحر تم حفره وكان سقاية الحجاج.

يقول عم صبحي إن الشيخ المهدلي كان من حجاج المغرب العربي، زار السويس ومكث في منطقة الغريب، كانت بمثابة محطة ترانزيت وتجارة يشتري منها الحجاج ما يلزمهم في رحلاتهم، ويبيعون بعضا مما جلبوه من بلادهم.

سبيل ووصية

"سيدي المهدلي حفر البئر وأوصي أن يكون سبيلا لمن بعده ولا يغلق ولا يمنع أحد من ماءه" يروي لنا الوصية التي سجلت ضمن بنود العقد الذي استأجر به والده المحل قبل نحو 73 عاما وحافظ هو ووالده من قبله ومن سبقوه عليها، قبل حفر قناة السويس.

يخرج لنا صاحب المحل الصغير عقد ايجار قديم كتب باللغتين العربية والفرنسية، بتاريخ 21 نوفمبر 1950، بين صاحب المحل والبيت، والده محروس يوسف المستأجر، تضمن العقد بند كتب بخط اليد ينص على" بالدكان المذكور بئر سيدي المهدلي رضي الله عنه وقد تعهد المستأجر بعدم التعرض لهذا البئر أو منع أحد من أخذ مياه منه بغرض التبرك والسقاية وعليه ان يحافظ على هذا البئر"

يقول صبحي إن المنطقة عند حفر البئر كانت مساحة مفتوحة، وبعد سنوات أنشأ الأهالي عدة منازل على الطراز البغدادلي، هدمت تلك البيوت حين تصدعت وحل مكانها منازل أخرى، وظل البئر مكانه محفوظ من بناية لأخرى لأكثر من 200 عام.

تابع أن كل من أقام في المنزل، أو استأجر المحل من قبل والده حافظ على البئر وكذلك فعل والده وهو من بعده التزاما بوصية الشيخ المهدلي.

قطع المياه

بعد نكسة يونيو 1967، صدر قرار بتهجير أهالي مدن القناة، تركت الأسر في السويس بيوتها ومحلاتها ورحلت إلى بقاع المحروسة، ومن بينهم كان محروس يوسف ترك محل إصلاح الأحذية وسافر، بينما بقي في المدينة عناصر المقاومة والفدائيين وتشكيلات من الجيش المصري والشرطة المدنية، وبعض الحرفيين والمهنيين بما يضمن استمرار سبل الحياة.

بعد عبور القوات الإسرائيلية من الثغرة، وفشلها في دخول الإسماعيلية، سلكت الطريق المؤدي إلى السويس، فور وصولهم على مشارف المدينة، ضربت قذائف العدو محطة مياه الشرب بمنطقة الهويس وهي المسؤولة عن تغذية المدينة بالمياه، وقطعوا خطوط الإمداد ليتمكنوا من حصار المدينة وكسر عزيمة المقاومة.

قضى رجال المقاومة أيام يستهلكون القدر القليل من المياه نحو 4 لتر فقط لكل فرد على أن تكفيه لأسبوع، في أثناء ذلك تذكر الرجال أمر البئر.

سكر في الماء

يخبرنا صاحب الدكان، إن المقاومة الشعبية بقيادة الشيخ حافظ سلامة أخبروا المحافظ اللواء بدوي الخولي بقصة البئر، فأصدر أمر بكسر باب الدكان وفتح البئر لتوفير المياه النظيفة للشرب.

بحسب الرواية الشعبية المتداولة، أحضر الشيخ سلامة كيس سكر وأفرغه في البئر، ففاضت المياه، ملء رجال المقاومة وجنود الجيش ما حملوه من أوعية وجراكن وشربوا وسقى البئر كل من في المدينة.

كان البئر المصدر الرئيس للمياه في المدينة طوال فترة الحصار التي امتدت 100 يوم، حتى رفع الحصار وبدأت سيارات المياه المدفوعة من القاهرة تصل إلى السويس.

بعد انتهاء الحرب، صدر قرار بعودة المهجرين وبدأت الأسر في التوافد بداية عام 1975 والعودة إلى السويس، ومع العودة ظل وضع السكر عادة يحرص عليها بعض الأهالي الراغبين في مياه، أما البئر فكان كريما يعطي الجميع بدون مقابل.

جفاف البئر

يصف صاحب الدكان البئر ويقول إن عمقه 5 أمتار وكانت المياه تصل لارتفاع 3 أمتار، ظل الوضع على ذلك الحال حتى قبل 4 سنوات لا يعلم ما تغير لكن المياه نقصت، لم تخف لكنها انخفضت لمستوى دون النصف متر.

أهالي المنطقة ارجعوا نقص المياه إلى التطوير العمراني، خلف البيت الذي يضم البئر منزل قديم هدمه أصحابه وأقاموا مكانه برج سكني، مع أعمال الحفر لوضع الأساسات الخرسانية بعمق يزيد عن عمق البئر، انخفض مستوى المياه، وبمرور الوقت تراجعت المياه حتى بات قاب قوسين أو أدنى من الجفاف.