-

ظهور نادر وأسباب مدهشة.. سر غياب الجمل عن حضارة

ظهور نادر وأسباب مدهشة.. سر غياب الجمل عن حضارة
(اخر تعديل 2024-09-09 15:26:01 )
بواسطة

كتب- محمد شاكر
اعتمدت الحضارة المصرية القديمة، على تسجيل مظاهرها على جدران المعابد وفي المقابر وتجسيد كل الحيوانات والطقوس التي يتم عملها على هيئة تماثيل، توثق مظاهر الحياة والعبادات وغيرها.
وكان لافتا غياب، الجمل، عن الحضارة المصرية القديمة، بينما كان مظهرا مهما في حضارات لاحقة، رغم ما يتمتع به قدرة عالية في التأقلم على الحياة الصحراوية وقطع المسافات الطويلة دفع الحضارة العربية إلى أن تطلق عليه لقب سفينة الصحراء.

وفيما يلي نستعرض تجسيد الحضارة الفرعونية للجمل في الفن المصري القديم، حيث تعتبر صورة الجمل من الهيئات الحيوانية النادرة في الفن المصري القديم، والتي ربما تكون قد ظهرت لوجود هذا الحيوان في صحراوات مصر أو في جنوبها، نتيجة لاتصال المصريين بجيرانهم الأسيويين ولاسيما في شمال غرب الجزيرة العربية.

وقد رصدت دراسة للدكتور حسني عمار، حملت عنوان "أضواء جديدة عن الجمل فى الفن المصرى القديم"، ونشرت في مجلة الاتحاد العام للآثاريين العرب، هذا الأمر، وفيما يلي نستعرض أبرز ملامح هذه الدراسة..

ظهرت صورة الجمل على فترات متباعدة في الفنون المصرية سواء في النقوش والرسوم الصخرية أو على هيئة دمى وتماثيل صغيرة، ولكن لا زال تأريخ بعض هذه الأعمال الفنية محل خلاف بين الباحثين، ولاسيما ما يتعلق منها بالفترات التاريخية السابقة على العصر اليوناني الروماني، فأغلب الأعمال الفنية التي تصور الجمل عبارة عن تماثيل صغيرة الحجم أو رسوم صخرية يصعب تأريخها في ظل غیاب صورة الجمل في النقوش المصورة على جدران المقابر والمعابد المصرية القديمة، بالإضافة إلى تأخر ظهور اسم الجمل في النصوص المصرية القديمة.

وأضافت الدراسة: يمكن تتبع صورة الجمل في الفنون المصرية على مر العصور كما يلي:

العصور الحجرية..
لم يظهر الجمل في الفنون المصرية بمختلف أنواعها في الحقب الزمنية الطويلة التي سبقت عصر ما قبل الأسرات. فلم تظهر صورة الجمل ضمن الهيئات الحيوانية المصورة في الرسوم الصخرية المؤرخة بالعصر الحجري القديم الأعلى (بداية ظهور النقوش والرسوم الصخرية في مصر)، وذلك على الرغم من وجود عظام الجمل في مصر في بعض المواقع الأثرية المؤرخة بالعصر الحجري القديم والوسيط.

كما تأخر ظهور اسم الجمل في الكتابة واللغة المصرية القديمة، على الرغم من تميز اللغة المصرية القديمة بثراء وتنوع مفرداتها والتي عبرت عن كل ما يُوجد في البيئة المصرية من الكائنات الحية بمختلف فصائلها. وقد يكون السبب في ذلك هو ارتباط الإبل من أصحاب حضارات المناطق الصحراوية والقائمين بدور الوسيط التجاري في نقل البضائع، وقلة اعتماد سكان وادي النيل عليه.

وقد دلت الشواهد الأثرية على معرفة المصريين بالجمل منذ عصر ما قبل الأسرات، وليس معنى ذلك أنه كان معتاداً في وادي النيل في مصر، ولكن على الأقل كان مستخدماً في عبور المناطق الصحراوية، وفي الأقطار المجاورة لمصر سواء في جنوبها أو شمالها الشرقي. في حين يبدو أن الحمار كان وسيلة النقل الأساسية داخل الوادي وكما هو واضح على جدران مقابر الأفراد منذ عصر الدولة القديمة.
ومما يؤكد هذا الاحتمال ظهور صورة الجمل في الفنون الصخرية بشكل واضح منذ عصر ما قبل الأسرات، وتأكد ذلك في عصر الأسرة السادسة وما تلاها من عصور. في حين أن التماثيل الصغيرة للجمل والتي عُثر عليها في المواقع الأثرية في داخل وادي النيل سواء كانت في معابد أو مقابر ، فلم تصور بشكل واضح ومتقن قبل عصر

الدولة الحديثة..
أصبح الجمل مألوفا على الأقل في أواخر العصر المتأخر مع استخدام الغزاة من الآشوريين والفرس له في اجتياز الصحراء بتجهيزاتهم العسكرية. واستخدم على نطاق واسع في العصر اليوناني الروماني مع ازدهار التجارة في العالم، فأصبح الجمل الحيوان الرئيسي لنقل البضائع والسفر عبر الصحراوات الشاسعة في مناطق الجزيرة العربية والشرق الأدنى. ونتيجة لذلك شاع تمثيل الجمل في الفنون المختلفة في هذه المناطق ومنها مصر بطبيعة الحال.

وإذا كان الغرض من تصوير الجمل في النقوش الصخرية في مصر يُعد نوعا من تسجيل أحداث معينة لعل أغلبها مرتبط باستخدامه في عبور المناطق الصحراوية والوصول به إلى الوادي كما هو الحال في نقش الأسرة السادسة بالقرب من أسوان، فلا يُعرف الغرض من تشكيل ونحت تماثيل صغيرة للجمل على وجه الدقة في ظل عدم وجود نصوص مصرية قديمة تتحدث عن الجمل.

وإذا حاولنا أن ننظر في الحضارات المجاورة نجد أن الجمل حيوان حظى بكثير من التقدير لدى سكان الجزيرة العربية منذ أقدم العصور، ولا يزال ذلك التقدير مستمر حتى وقتنا الحاضر. وقد عُثر على دمى صغيرة للجمال أغلبها من الفخار في معظم المراكز الحضارية.

الحضارات المجاورة..
لعبت الإبل دورا كبيرا في التاريخ الحضاري لبعض المناطق الصحراوية في الشرق الأدنى القديم بصفة عامة والجزيرة العربية بصفة خاصة. وعلى الرغم من هذه الأهمية وذلك الدور الكبير، فقد اختلفت آراء الباحثين حول تحديد الفترة التي استؤنس الجمل خلالها. فهناك من يعود بذلك لتاريخ مبكر وهو الألف الرابع قبل الميلاد. وذلك بناء على الأدلة الأثرية في مصر ووادي الرافدين.

ويرى فريق آخر أن استئناس الجمل حدث في أواخر الألف الثالث وبدايات الألف الثاني قبل الميلاد، وهناك من يرى أن ذلك حدث في القرنين الثاني عشر والثالث عشر قبل الميلاد وفي مقابل هذا الدور الكبير للإبل في بعض مناطق الشرق الأدنى القديم والجزيرة العربية، يحيط بدورها الغموض في مصر القديمة، ولا زال هذا الدور محل بحث وخلاف بين المتخصصين. ولا يرجع هذا الاختلاف إلى قلة ظهور الجمل في الفنون المصرية القديمة فقط، وإنما أيضاً إلى وجود اختلاف وشك حول هذه النماذج القليلة التي ظهر فيها الجمل في الفن المصري، ولاسيما تلك التي تعود إلى العصور السابقة على الدولة الحديثة وذلك يثير الكثير من التساؤلات حول هذا النقص لاسيما وأن الفنان المصري القديم نجح في تصوير كل الكائنات الحيوانية التي وجدت في البيئة المصرية بل وأحيانا في البيئات الأخرى بالأقطار المجاورة.