-

خيارات العرب في ظل التصريحات الإسرائيلية

خيارات العرب في ظل التصريحات الإسرائيلية
(اخر تعديل 2025-03-08 23:16:41 )
بواسطة

تتزايد التساؤلات حول الخيارات العربية في ظل التصريحات الإسرائيلية والأمريكية التي ترفض نتائج القمة العربية الطارئة، التي عُقدت بهدف إيجاد بديل لخطة ترامب بشأن غزة.

قمة استثنائية وتحديات كبيرة

في 4 مارس الحالي، عُقدت قمة عربية استثنائية في القاهرة، حيث اعتمد القادة العرب خطة مصرية لإعادة إعمار غزة، تبلغ تكلفتها 53 مليار دولار، وتهدف إلى تمكين 2.1 مليون فلسطيني من البقاء في ديارهم. وقد طُرحت هذه الخطة في محاولة لتقويض خطة أمريكية تقضي بتهجير سكان القطاع والسيطرة عليه لبناء مشروع استثماري سياحي، أطلق عليه ترامب لقب "ريفييرا الشرق الأوسط". وهذا يمثل تراجعًا واضحًا عن النهج التقليدي للسياسة الأمريكية في المنطقة، الذي كان قائمًا على إيجاد حل الدولتين.

رفض إسرائيلي وقبول فلسطيني

لكن الخطة العربية قوبلت برفض قاطع من قبل إسرائيل، حيث وصفتها واشنطن بأنها غير واقعية، وأكد البيت الأبيض تمسك إدارة ترامب برؤيتها لإعادة إعمار غزة خالية من حماس. ومع ذلك، رحبت السلطة الفلسطينية وحماس بالخطة العربية التي تدعو إلى إدارة غزة مؤقتًا من قبل لجنة من الخبراء المستقلين، ونشر قوات حفظ سلام دولية هناك. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن تصمد هذه الخطة أمام مقترح ترامب؟ وما هي أوراق الضغط التي يمتلكها العرب؟

خطة ترامب غير قابلة للحياة

يرى المحلل السياسي ووزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، أن الخطة العربية قابلة للتطبيق رغم ما يحيط بها من عراقيل. ويؤكد أن المقترح المتداول بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة يحمل تداعيات كارثية على القضية الفلسطينية وأمن المنطقة، مشددًا على أن هذا الخيار يهدد الأمن الوطني لكل من الأردن ومصر، ويشكل إخلالاً بالتوازن الإقليمي. ويوضح المعايطة أن ترامب يطرح رؤى ومقترحات، لكنه لا يستطيع فرضها، مشيراً إلى أن المبادرة العربية أو أي خطة مستقبلية ستخضع لعوامل التفاوض والاشتراطات الأمريكية والإسرائيلية.

التحديات أمام الخطة العربية

وحتى في أسوأ السيناريوهات، لن تُطبق خطة ترامب، ولن تُنفَّذ المبادرة العربية. لكن هذا يعني بقاء غزة على وضعها الحالي، مع تفاقم الأوضاع المعيشية، وتعطّل جهود إعادة الإعمار، وخطر اندلاع حرب جديدة. ويختتم المعايطة بالتأكيد على أن رؤية ترامب "ليست سوى مشروع غير قابل للحياة"، مشيرًا إلى أن إسرائيل ترفض الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تشمل الجوانب السياسية والأمنية، وهي قضايا عالجتها الخطة العربية من خلال تقديم إجابات واضحة حول من سيحكم غزة، ومن يمول إعادة إعمارها.

ما مصير حماس؟

بينما يسعى الزعماء العرب لإقناع ترامب بخطتهم، تبرز تساؤلات أساسية تنتظر إجابات حاسمة، أبرزها: ما مصير حماس؟ ومن سيتولى إدارة القطاع؟

أجابت المبادرة المصرية على بعض هذه التساؤلات، حيث نصت على تشكيل لجنة مستقلة من التكنوقراط، لا تنتمي لأي فصيل، تتولى إدارة شؤون القطاع لفترة انتقالية مدتها ستة أشهر، تمهيدًا لعودة السلطة الفلسطينية إليه. ومع ذلك، ستواجه استعادة السلطة السيطرة على غزة عقبة رئيسية، وهي مستقبل حماس التي تحكم القطاع منذ عام 2007. رغم أن المقترح المصري لم يشر صراحة إلى احتمال نزع سلاح حماس، إلا أنه أكد استبعاد الحركة من الإشراف على إعادة الإعمار أو إدارة القطاع بأي شكل من الأشكال. وقد قبلت حماس هذا الطرح في بيان أعقب القمة العربية في القاهرة، لكنها رفضت بشكل قاطع مناقشة مسألة نزع سلاحها.

جوانب إيجابية وسلبيات

في هذا السياق، يرى الباحث والسياسي المصري، عماد جاد، أن المبادرة العربية تحمل جوانب إيجابية، لكنها تفتقر إلى معالجة جوهرية لمعضلة الوجود العسكري لحماس وسلاحها في القطاع. ويعلق جاد قائلاً: "لقد تجنبت الدول العربية التطرّق رسميًا لهذا الملف، في حين أعلنت حماس بوضوح أن سلاحها خط أحمر، ولن تتخلى عنه أو تغادر غزة". وتظل هذه المسألة نقطة الضعف الأبرز في المبادرة العربية، لكن إذا تمكنت الدول العربية من إقناع حماس بتسليم سلاحها وخروج قيادتها العسكرية العليا إلى مصر أو قطر أو تركيا، فقد يعزز ذلك موقف الوفود العربية خلال المفاوضات مع الرئيس الأمريكي، ويفتح الباب أمام حلّ توافقي.

مسألة معقدة

شهدت الدول العربية حالة من "عدم التوافق" بشأن كيفية التعامل مع وجود حماس في غزة. بينما تدعو الخطة المصرية إلى إرساء هدنة طويلة الأمد تُستخدم كإطار تفاوضي لنزع السلاح، تقترح السعودية اتباع نهج تدريجي، يبدأ بإخراج قادة حماس من القطاع ثم نزع سلاح الحركة على مراحل مع تقدم التفاوض نحو حل دائم للقضية الفلسطينية. في المقابل، تتبنى الإمارات موقفًا أكثر صرامة، رافضة أي مقترح يُبقي على وجود الحركة في غزة، وتعتبرها تهديدًا وجوديًا. ويبدو أن تمويل إعادة إعمار غزة سيبقى مرهونًا بالحصول على دعم دولي، ولا سيما من دول الخليج الغنية بالنفط، التي تشترط تقديم ضمانات سياسية وأمنية واضحة لحسم مصير سلاح حماس.

أهمية الحل الشامل

يرى الخبراء أن قضية سلاح حماس معقدة وتستلزم رؤية شاملة ضمن إطار تسوية أوسع للصراع، إذ لا يمكن فصلها عن الأفق السياسي لحل الدولتين. ويشير الأكاديمي بشير عبد الفتاح إلى أن التباين في المواقف العربية تجاه حماس وسلاحها لن يمنح الولايات المتحدة وإسرائيل مكاسب كبيرة، في ظل غياب سلام حقيقي وأفق واضح لإقامة الدولة الفلسطينية.

لا سلام في غزة بوجود حماس

من جهة أخرى، يخبرنا الخبير العسكري الإسرائيلي، موشيه إلعاد، بأن إسرائيل ترحب بأي خطة تهدف إلى حل النزاع وتحقيق السلام بين إسرائيل والدول العربية، مشيرًا إلى استعداد إسرائيل لمناقشة أي خطة تحفظ أمنها وسلامة مواطنيها، بالأخص على حدود غزة. وأكد إلعاد أن عملية إعادة الإعمار ستكون بلا جدوى إذا لم تتحقق هذه الأهداف، مضيفًا أن المساهمة المالية من الدول العربية لا تزال محدودة حتى الآن.

رفض الخطة العربية

وتصف وزارة الخارجية الإسرائيلية الخطة العربية بأنها "مغرقة في وجهات نظر عفا عليها الزمن"، مشيرة إلى أنها تتجاهل تداعيات هجوم حماس في 7 أكتوبر. كما ترفض الحكومة الإسرائيلية الحالية الاعتماد على السلطة الفلسطينية كطرف رئيسي. في هذا السياق، يرى كينيث روث، المدير التنفيذي السابق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، أن الدول العربية تمتلك أدوات ضغط فعّالة قادرة على التصدي لمخططات إدارة ترامب.

أوراق الضغط العربية

يشدد روث على أهمية تمسك السعودية بموقفها الرافض للتطبيع دون الحصول على ضمانات واضحة تضمن إقامة دولة فلسطينية. وهذا يعد الشرط الأساسي الذي وضعته كل من الرياض وأبوظبي مقابل أي دعم محتمل لإعادة إعمار غزة، مما يمنح الدولتين ورقة ضغط قوية لإفشال هذه المخططات. وفي حال مضت إدارة ترامب في تنفيذ خطتها، فإن الخطر لن يقتصر على غزة وحدها، بل سيمتد ليطال الضفة الغربية عبر تنفيذ عمليات ترحيل مماثلة.
أم 44 الحلقة 10

لذا، يجب على الدول العربية أن ترفض الانخراط في أي خطوات تسهل تمرير هذه المخططات. ويطرح الأكاديمي خيار الذهاب إلى الشركاء الأوروبيين والمجتمع الدولي، محذرًا من أن المضي في خطة ترامب قد يؤدي إلى تصعيد خطير ويزيد من إحباط الفلسطينيين، مما قد يمنح الفصائل المسلحة فرصة لتعزيز نفوذها عبر تجنيد المزيد من الوكلاء. كما يمكن للدول العربية الرد بوقف التطبيع وتجميد العلاقات مع إسرائيل، بالإضافة إلى تعليق مشاريع التعاون الاقتصادي.

أخيرًا، ألمحت مصر في بيانات لوزارة خارجيتها إلى أن أي تهجير قسري لسكان غزة قد يؤدي إلى إفشال الاستقرار في الشرق الأوسط، مما قد يهدد السلام الموقع مع إسرائيل منذ عام 1979 برعاية أمريكية.