-

الأخلاق أساس الحضارة والكرامة الإنسانية

الأخلاق أساس الحضارة والكرامة الإنسانية
(اخر تعديل 2025-03-20 18:16:43 )
بواسطة

الأخلاق: الدعامة الأساسية في الإسلام

أكد فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، خلال حديثه الرمضاني على قناتَيْ DMC والناس الفضائيتين، أن الأخلاق تُعتبر من الأسس الراسخة في ديننا الحنيف، حيث تشكل دعامة أساسية من دعائم الدين وأصلًا مشتركًا اتفقت عليه جميع الشرائع السماوية. فهي القاعدة التي تُبنى عليها المجتمعات وتُشيَّد بها الحضارات، كما أنها تُصان بها الكرامة وتُحقق التنمية والاستقرار.
المداح 5: أسطورة العهد الحلقة 23

رسالات السماء وعمق الأخلاق

أوضح فضيلته أن الرسالات السماوية جاءت لترسيخ منظومة من القيم والمبادئ التي تحفظ للإنسان إنسانيته وكرامته. وقد أكد الإسلام على هذه المنظومة عبر آياته، مثل قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].

الأخلاق كغاية نبيلة

وأشار فضيلته إلى أن الأخلاق لم تكن جزءًا هامشيًّا في الرسالة الإسلامية، بل كانت غايتها الكبرى. كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق». فالنبوة تستند إلى تقويم السلوك وتهذيب النفوس، لتأسيس مجتمع قيمي يقوم على العدل والرحمة والتكافل.

أساس الأخلاق وبناء المجتمع

الأخلاق تشكل الأساس الذي يُبنى عليه الفكر والمبدأ الذي ينطلق منه السلوك. وإذا اختل هذا الأساس، انعكس ذلك سلبًا على الأفراد والمجتمعات، مما يؤدي إلى تصدع العلاقات وانهيار القيم. لذا، فإن الأخلاق هي "المعاقد الثابتة" التي تقوم عليها الروابط الاجتماعية، ومتى زالت تلك الروابط، تفكك نسيج المجتمع وتحول إلى تجمع هش فاقد لقوة التماسك.

قيم العرب قبل الإسلام

لقد كان العرب قبل الإسلام، رغم ما كان فيهم من جاهلية، يمتلكون بعض القيم الأخلاقية مثل الكرم والشجاعة والحرية، والتي حفظت لهم هويتهم، ورفضوا أن يكونوا تابعين لأمم أخرى. وقد أشار المؤرخ جوستاف لوبون إلى حب العرب للحرية، الذي لا يستطيع الأوروبيون تصوره، حيث اعتبروا فقدان الحرية نوعًا من الاستعباد المرفوض، مما جعلهم يقاومون الاحتلال الخارجي.

الإسلام وتطوير القيم الأخلاقية

عندما جاء الإسلام، بنى على تلك القيم وغذَّاها ووجهها ضمن منظومة شاملة تُعلي من كرامة الإنسان، وتغرس في النفوس الإيمان بالمثل العليا، وتحثُّ على البذل والتضحية من أجلها. وقد أرسى النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء على أسس أخلاقية واضحة، كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [الجمعة: 2].

تحذيرات من التاريخ

التاريخ مليء بقصص الأمم التي بلغت ذروة المجد، لكن سرعان ما انهارت عندما فقدت منظومة القيم الأخلاقية. وقد أشار القرآن الكريم إلى نماذج من تلك الأمم، مثل فرعون الذي قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي} [الزخرف: 51]، وكان استكباره سبب هلاكه. وكذلك قارون الذي قال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص: 78]، وكانت عاقبته أن خسف الله به وبداره الأرض.

الأخلاق ونقيض الأنانية

الأخلاق تقف نقيضًا للصفات الأربع التي كانت سببًا في هلاك بعض من في الأرض: "أنا، ونحن، ولي، وعندي". فإبليس قال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ} [ص: 76]، فاستحق اللعنة والطرد من رحمة الله. بينما قوم بلقيس قالوا: {قَالُوا نَحْنُ أُو۟لُوا۟ قُوَّةٍۢ وَأُو۟لُوا۟ بَأْسٍۢ شَدِيدٍۢ} [النمل: 33]، وكان هذا نوعًا من الأنانية الذي أدّى إلى الفساد والهلاك.

ختامًا: أهمية الأخلاق في بناء الحضارات

اختتم مفتي الجمهورية حديثه بالتأكيد على أن سيادة "قانون الأخلاق" هي مفتاح نشأة الحضارات واستمرار الدول واستقرار المجتمعات. إن تراجع هذا القانون أو ضياعه يؤدي حتمًا إلى الانهيار والسقوط. وهذا ما جاءت به الشريعة الإسلامية، حيث تقوم رسالتها على إصلاح النفوس، وإرساء مبادئ العدل والإحسان، وتحقيق السلم المجتمعي، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90].

المجتمعات المعاصرة بحاجة ماسَّة إلى استعادة أخلاقها، فهي سفينة النجاة، والضامن الحقيقي للأمن والاستقرار، والمصدر الوحيد لاستعادة الكرامة الإنسانية التي تآكلت في ظل مفاهيم مغلوطة وشعارات براقة خادعة. لن تعود هذه القيم إلا بالتمسك بالقانون الأخلاقي الإلهي الذي يحفظ الكرامة، ويضمن السلامة، ويحقق الخير والسعادة للبشرية جمعاء.

اقرأ أيضًا: