"شنجن عسكرية".. أوروبا تبحث حرية التحرك العسكري
كتب- محمد صفوت:
الحرب الأوكرانية واحتمالية عودة دونالد ترامب والتهديدات المتزايدة عالميًا، جميعها تحديات تواجه القارة الأوروبية التي اتجهت بعد الحرب الباردة إلى التركيز على الاقتصاد والاعتماد أكثر على الأسلحة الأمريكية والناتو الذي يضمن دولاً أوربيةً عدة.
التحديات التي تواجهها أوروبا، خاصة التهديدات الروسية واحتمالية اندلاع حربًا مع الدب الروسي، دفعت دولاً إلى إعادة التفكير في "شنجن العسكرية" وهي فكرة ليست جديدة على القارة الأوروبية حيث طرحت لأول مرة بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014.
بداية فكرة الشنجن العسكرية
تبلورت الفكرة لأول مرة في أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، لكن بعد 10 سنوات من ضم القرم وعامين على الحرب الأوكرانية التي دخلت عامها الثالث، يبدو أن القارة العجوز أدركت أهمية الاستعداد لاحتمال استخدام روسيا قوتها العسكرية على مسافة أبعد من أوكرانيا، ما يمثل تهديدًا لدول القارة.
تقول مجلة "فورين بوليسي" في هذا الشأن، إن المسؤولين العسكريين الأوروبيين، ينقبون في دروس الماضي خاصة الدروس المستفادة من الحرب الباردة التي وضعت أوزارها في تسعينيات القرن الماضي، ولعل أبرز الدروس كان حرية الحركة العسكرية.
تنقل المجلة الأمريكية، عن خبراء ودبلوماسيين ومصادر عسكرية أوروبية، قولهم إن التقدم في مقترح "الشنجن العسكرية" أبطأ بكثير من المطلوب.
كان رئيس القيادة المشتركة للإمدادات والشؤون اللوجستية في حلف شمال الأطلسي "الناتو" ألكسندر سولفرانك، دعا في نوفمبر 2023، إلى تفعيل "شنجن عسكري"، يسمح لقوات الناتو بالتحرك بحرية ضمن حدود الحلف.
بدورها، حذرت روسيا آنذاك من مقترح "شنجن العسكرية" يعد تطورًا ملحوظًا ويضع روسيا عدوة واضحة للحلف بدلاً من اعتبارها عدوًا محتملاً، محذرة من أن أي اقتراب من الحدود الروسية يلقى الرد المناسب.
وقبل مناورات الناتو، في فبراير الماضي، كشفت صحيفة "تايمز" البريطانية، في تقرير لها نشر في يناير 2024، عن أن دول الناتو تسعى للاتفاق على شنجن عسكري يسمح للوحدات العسكرية التابعة لها بالتحرك بحرية داخل حدود الحلف.
يقول توماس زاتكوسكي، الممثل الدائم لبولندا لدى الناتو، لـ"فورين بوليسي" إن حرية الحركة العسكرية "شنجن العسكرية" يحظى بتأييد واسع في القارة الأوروبية ودول الناتو، لكنه يضيف: "مشكلتنا أننا نتحدث منذ 2015، عندما بدا أن توترات زمن الحرب الباردة قد عادت وأن أوروبا أمامها طريق طويل لنقل قواتها ومواردها بشكل فعال".
إنشاء أول ممر عسكري
في يناير الماضي، وقعت ألمانيا وهولندا وبولندا، اتفاقًا لإنشاء ممر نقل عسكري بين الدول الثلاث، مما منح فكرة "الشنجن العسكرية" دفعة قوية نحو الهدف الذي طرح قبل 10 سنوات.
وترى "فورين بوليسي" أن الخطوة الأولى لتحقيق الطموحات العسكرية المشتركة لأوروبا تتلخص في اكتشاف حرية الحركة "شنجن العسكرية".
وبعد توقيع الاتفاق الثلاثي، قالت وزيرة الدولة لشؤون الدفاع في البرلمان الألماني سيمتجي مولر، إن الممر الجديد يدفع الحراك العسكري على طريق منطقة شنجن عسكرية حقيقية.
وأوضحت في تصريحاتها آنذاك، إن "شنجن العسكرية" ستسمح بتسهيل حركة الأسلحة النظامية في هذه المنطقة على غرار تسهيل حركة السلع والأفراد.
عقبات شنجن العسكرية
كشفت "فورين بوليسي" عن العقبات التي تواجه فكرة "شنجن العسكرية" موضحة أن مرور أي شيء يتعلق بمهمة عسكرية في أوروبا يواجه معضلات عدة تختلف بين العقبات البيروقراطية والفجوات الكبيرة في البنية التحتية التي يمكن أن تسبب تأخيرات حاسمة في حرية الحركة والتنقل العسكري بين الدول الأوروبية.
كانت صحيفة "تايمز" التي كشفت سابقًا عن المقترح، أكدت أن العقبات التي تواجه الفكرة، أن مناورات الناتو التي تجرى على الأراضي الأوروبية تتطلب قدرًا كبيرًا من الأعمال البيروقراطية وقدرًا من التخليصات الورقية، التي يمكن أن تؤثر في حال حدوث أزمة عسكرية في دول الناتو.
من بين العقبات البيروقراطية، قواعد استخدام نفس المعدات من قبل جيوش دول الناتو، حيث لا يسمح للمظليون من دول الناتو استخدام مظلات أي دول بالحلف حتى إن كانت قابلة للاستخدام بشكل حقيقي.
في هذا الشأن، منح عضو البرلمان الأوروبي من إستونيا ونائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية أورماس بايت، حرية التنقل العسكري في أوروبا بين دول الناتو "شنجن العسكرية" 3 درجات من أصل 10، وقال إن الأمر حاليًا يمكن أن يستغرق ما بين "أسابيع أو على الأقل أكثر من أسبوع"، لإرسال الإمدادات إلى دول البلطيق.
تؤكد المجلة الأمريكية، أن الأعمال الورقية لنقل المعدات العسكرية مرهقة، مضيفًا أن التنقل العسكري يتطلب موافقة العديد من الوزارات المختلفة في كل بلد، وفي بعض الأوقات يتطلب موافقات من داخل المناطق والأقاليم بالدولة الواحدة.
المعضلة الثانية، من وجهة نظر "فورين بوليسي"، هي البنى التحتية في الدول الأوربية، حيث أن معظم الطرق والجسور بنيت للاستخدام المدني، ومن المرجح ألا تتحمل أوزان الآليات العسكرية الثقيلة.
من بين المعضلات التي تواجه "شنجن العسكرية" مقياس السكك الحديدية في الدول السوفيتية السابقة، إذ يختلف حجمه عن مقياس السكك الحديدية الأوروبية، فضلاً عن أن نقل الآليات وآلاف الجنود وقت الحرب من قطار إلى آخر سيعطل المهام ويكون أكثر استهلاكًا للوقت.
تقدم في المحادثات
رغم المعضلات التي تواجه الفكرة، إلا أن هناك تقدمًا في المحادثات وفقًا للجنرال بن هودجز، القائد السابق للناتو الذي كان أول مؤيد لـ "شنجن العسكرية"، وترجح "فورين بوليسي" أنه هو من صاغ هذا المصطلح.
ويقول الجنرال السابق، إن المحادثات في هذا الملف تحسنت واكتسبت زخمًا خلال السنوات الماضية، مضيفًا: "ها هو الشيء الجيد".
وأكد القائد السابق بالناتو أن القدرة على التحرك بسرعة في وقت الأزمات والحروب جزءًا مهمًا من عقيدة الردع العسكري لدى الحلف، موضحًا أن القوة المسلحة وعملية التعبئة والتحرك العسكري السريع، يجب أن تكون عملية مرئية للعدو، حتى تردعه عن الهجوم.
وأضاف: "نحن بحاجة إلى قدرة حقيقية، ليس فقط المعدات والقوات، ولكن أيضًا القدرة على التحرك بسرعة، وتوريد قطع الغيار وتخزين الوقود والذخيرة، ويجب على الروس أن يتأكدوا من أننا نمتلكها".
ما هي الممرات المطلوبة لـ"شنجن العسكرية"؟
في البداية أشاد الجنرال السابق، بالاتفاق الموقع في يناير الماضي بين ألمانيا وهولندا وبولندا، واعتبره وفق "فورين بوليسي" بداية رائعة، مضيفًا بالقول، إن العديد من هذه الممرات قيد المناقشة حاليًا.
وترى المجلة الأمريكية أن الممر الألماني الهولندي البولندي هو الأول من بين العديد من الممرات المنتظرة ومن المتوقع أن يحل الاختناقات وربما يوفر نموذجًا للممرات المستقبلية.
وتنقل "فورين بوليسي" عن هودجز، قوله، إن الأوروبيين يريدون أن يكون لديهم ممرات من اليونان إلى بلغاريا وصولاً إلى رومانيا، والغرض من كل هذه الممرات هو توفير طريق سلس، من حيث البنية التحتية، ولكن أيضًا تسوية الجمارك وجميع العقبات القانونية في وقت مبكر.
وفي وقت سابق، صرح وزير الدفاع البلغاري، الأدميرال إميل إفتيموف، أنه بالإضافة لممر ألمانيا وهولندا وبولندا، على الحلفاء يجب أن يعطوا الأولوية لممرات أخرى منها ممر من ألكسندروبوليس في اليونان إلى رومانيا وممر آخر من البحر الأدرياتيكي عبر ألبانيا ومقدونيا الشمالية.