في أول ليالي مولد العذراء بالمنيا.. الآلاف
المنيا- جمال محمد:
على أصوات الترانيم والمقطوعات الموسيقية القبطية، توافد آلاف المواطنين على دير جبل الطير، تلك القرية التي تعلو سفح الجبل الشرقي بالمنيا، وتتحول إلى ما يشبه لمدينة صغيرة على مدار 8 أيام، لتستقبل نحو مليوني زائر من المسيحيين والمسلمين على حد السواء للتبرك بالكنيسة المباركة والمغارة الصغيرة التي اختبأت فيها العائلة المقدسة لمدة ثلاثة أيام خلال رحلة هروبهم إلى مصر.
وشهدت القرية تكثيفا أمنيا كبيرا لتأمين دخول وخروج المواطنين القادمين من محافظات مختلفة، ويقوم العديد منهم بالمبيت في القرية بالقرب من الكنيسة الأثرية، بالإضافة إلى تخصيص ساحات كبيرة مخصصة لمناطق الملاهي والمطاعم وبيع الألعاب.
مصراوي أجرى جولة في المولد الذي انطلق اليوم، وشهد توافد المواطنين مساءً عقب انخفاض درجات الحرارة، إذ تجمعت أعداد كبيرة حول الكنيسة الأثرية في محاولة لدخولها بالدور وفقا للحركة التنظيمية، ليعقبها جولة في القرية وشراء الحلوى والملابس الصعيدية، وكذلك ركوب الألعاب ودق الحناء، وحضور جلسات وعظ، على أن ينتهي موسم العذراء يوم 13 من الشهر الجاري.
وتعود قصة دير جبل الطير إلى أكثر من 2000 سنة، إذ كانت الكنيسة الأثرية على هيئة صخرة هائلة أعلى سفح الجبل الشرقي بقرية جبل الطير، حينما استقبلت هروب العائلة المقدسة من بطش الملك هيرودس في أورشليم وبيت لحم في ذلك الوقت وتوجهها إلى مصر، فدخلت العائلة في تجوفات تلك الصخرة الكبيرة التي كان بها مغارة لا يتعدى طولة مترين وعرضها مترًا واحدًا، وظلوا بها لمدة 3 أيام متتالية، قبل أن يكملوا رحلتهم إلى أسيوط جنوبا في صعيد مصر.
وسُميت المنطقة باسم "جبل الطير" بسبب توافد الطيور المهاجرة قديمًا إلى حافة الجبل هناك خاصة طائر "البيرقيروس" والذي كان يأتي للمكان بأعداد هائلة، في مشهد كان ينتظره الآلاف في قديم الزمان، وأن العائلة المقدسة حينما تواجدت في المغارة تعرضت لمحاولة قتل من إحدى الساحرات هناك، والتي كانت تفرض مبالغ مالية على مرور المراكب النيلية من أمام المنطقة وإغراق من يرفض ذلك، وحاولت الساحرة أن تسقط صخرة كبيرة على السيد المسيح وأمه ويوسف النجار، ولكن بمعجزة ألهية تصدى لها الطفل (سيدنا عيسى عليه السلام) بعد أن رفع يده فتصلبت الصخرة وطُبع كفه عليها دون ملامستها، وسقطت بعدها الساحرة من أعلى جبل الطير، فيما جرى نقل الصخرة إلى المتحف البريطاني باسم الآثار المصرية هناك ولم يرجع حتى الآن.
ظلت الصخرة مكانًا يتبارك به الأهالي على مر السنين، إلى أن جاء عام 328 ميلاديًا وأمرت الملكة هيلانا أم الملك قسطنتين بأن يتم نحت الكنيسة الأثرية الموجودة حاليًا في تلك الصخرة الكبيرة التي إختبأت بداخلها العائلة المقدسة، وأطلق عليها اسم كنيسة السيدة العذراء بدير جبل الطير، فيما تحتفظ المغارة بطابعها الخاص داخل الكنيسة، وكذلك حجاب الهيكل الخشبي من القرن 16 و3 أيقونات أثرية تم رسمها عام 1554 ميلاديًا وتعد تلك المقتنيات أبرز مقتنيات الكنيسة الأثرية.
وكانت قد شهدت قرية دير جبل الطير أعمال تطوير كبيرة، وتم إفتتاحها في شهر يوليو عام 2022 بحضور وزراء التنمية المحلية والسياحة، ومحافظ المنيا، بتكلفة جاوزت 30 مليون جنيه، وتضمنت تمهيد للطرق بطول كيلو متر وترميم صحن الكنيسة الأثرية، وأعمال تطوير ساحة ومدخل الدير المتمثلة في رصف وتطوير مداخل الكنيسة ودهان واجهات المقابر على يمين ويسار مدخل الكنيسة لتظهر بشكل حضاري، وكذا أعمال التشجير والبوابات على مداخل الطريق المؤدى للدير وتجديد الاستراحة السياحية.