-

الحزن في عالم الحيوانات الاجتماعية

الحزن في عالم الحيوانات الاجتماعية
(اخر تعديل 2025-12-22 16:16:40 )
بواسطة

في عام 2018، أصبحت الحوتة القاتلة المهددة بالانقراض "تاهليكوا" محور اهتمام وسائل الإعلام العالمية، عندما التقطت عدسات المصورين مشهداً مؤثراً لها وهي تسبح حاملة مولودها النافق على رأسها لأكثر من ثلاثة أسابيع في مياه شمال غرب المحيط الهادئ. هذه الواقعة لم تكن مجرد حدث عابر، بل تحولت إلى رمز عالمي لما يمكن أن يُفهم على أنه حزن حيواني صامت.

الحزن في عالم الكائنات الاجتماعية

تُعتبر الحيتانيات، وخاصة الحيتان القاتلة، من أكثر الكائنات البحرية تعقيدًا من الناحية الاجتماعية والمعرفية. تعيش هذه الكائنات ضمن مجموعات مترابطة وتعلم صغارها أساليب الصيد، كما تمتلك ثقافات ولهجات مميزة لكل مجموعة. يعتبر فقدان أحد أفراد العائلة حدثاً مؤثراً، قد يؤدي إلى تغييرات ملحوظة في سلوك هذه الكائنات، وهو ما تجلى بوضوح في حالة تاهليكوا.

تفسير علمي للسلوكيات المرتبطة بالموت

يعتبر ديفيد ستالمان، أستاذ علم النفس بجامعة ماري واشنطن والمتخصص في سلوك الحيوان، أن العديد من الأنواع تظهر أنماطاً سلوكية ثابتة عند مواجهة الموت. لكنه يؤكد أن هذه السلوكيات لا ترتقي بالضرورة إلى مفهوم "الجنازات" كما نفهمها نحن البشر. هذه السلوكيات قد تكون ببساطة امتدادًا طبيعيًا للتفاعلات الاجتماعية، حيث يعتمد بقاء الفرد ورفاهيته على المجموعة المحيطة به.

كيف يغير الموت ديناميكيات القطيع

كما يوضح ستالمان، فإن الحيوانات الاجتماعية تطور سلوكيات معقدة مرتبطة بالموت، حيث أن غياب الفرد النافق يؤثر بشكل كبير على تفاعلات المجموعة. هذا الغياب المفاجئ يتطلب من بقية الأفراد إعادة ضبط سلوكهم، سواء من خلال الاقتراب من الجثة أو مراقبتها أو حتى تغيير نمط التفاعل داخل المجموعة.

الأفيال وزيارة موتاها

تعتبر الأفيال من الكائنات التي حظيت بدراسات معمقة في ما يُعرف بعلم "الموت المقارن". وقد لوحظ أنها تعود مرارًا إلى جثث أفرادها، حيث تلمسها وتفحصها، بالإضافة إلى إظهار سلوكيات اجتماعية داعمة تجاه الأفراد الأحياء. في حالات موثقة، قامت أفيال بحمل صغارها النافقة ودفنها في مواقع محددة، وسط أصوات تعبيرية تصدرها القطعان.

الحيتانيات والرعاية الأمومية المطولة

تظهر الدلافين والحيتان سلوكًا مشابهًا، حيث شوهدت وهي تحمل صغارها النافقة لساعات أو حتى أيام. يصف علماء الأحياء البحرية هذا السلوك بـ"الرعاية الأمومية المطولة"، وهو سلوك يعكس ارتباطًا عميقًا بين الأم وصغيرها حتى بعد الموت. وقد عادت تاهليكوا نفسها لتكرار هذا السلوك في ديسمبر 2024 مع عجل نافق آخر.
غرفة لشخصين الحلقة 9

الشمبانزي وحداد صامت

في عالم الرئيسيات، تم توثيق مشاهد مؤثرة لشمبانزي يلتزمون بصمت غير معتاد عقب وفاة أحد أفراد مجموعتهم. ففي حادثة تعود إلى عام 2008، تجمع عدد من الشمبانزي حول زعيمتهم الراحلة في مركز إنقاذ بالكاميرون، وأظهروا سلوكيات توحي بالتأثر والارتباط العاطفي.

الغربان والفئران… سلوكيات مختلفة للغائبين

لا يقتصر التفاعل مع الموت على الثدييات الكبيرة، بل تشير دراسات إلى أن طيور الغرابيات تتجمع حول موتاها وتصدر أصواتًا عالية. كما لوحظ أن الفئران تقوم بدفن جثث رفاقها بعد مرور فترة زمنية محددة، وهو سلوك قد يكون مرتبطًا بالحفاظ على صحة المجموعة أكثر من كونه تعبيرًا عاطفيًا.

هل تحزن الحيوانات فعلاً؟

يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه السلوكيات تعكس حزناً حقيقياً أم مجرد استجابات عملية لفقدان فرد من المجموعة. ويرى ستالمان أن الحزن، حتى لدى البشر، يرتبط بتوقف أنماط سلوكية كانت موجهة لشخص لم يعد موجودًا، ولا يوجد ما يمنع حدوث الأمر ذاته لدى الحيوانات الاجتماعية غير البشرية.

على الرغم من أن تصرفات الحيوانات قد لا تحمل المعنى نفسه الذي نفهمه كبشر، فإنها تكشف بلا شك عن عالم داخلي أكثر تعقيدًا مما كنا نتوقع، وعن روابط تتجاوز مجرد البقاء إلى ما يشبه المشاركة في الفقد.