مثلث برمودا يبتلع "فو".. هل يظهر وزير الدفاع
كتبت - سلمى سمير:
تتجدد التساؤلات مرة أخرى في أقل من شهرين مع تكرر اختفاء المسؤولين الصينيين، وآخرهم وزير الدفاع الصيني لي شانج فو، الذي توارى عن الأنظار أواخر أغسطس الماضي، مع تكتم من قبل السلطات الصينية، التي لم يصدر عنها أي تصريح يخص وضع "فو".
اختفاء وزير دفاع في الصين ليس بالأمر المفاجئ مع تكرر حوادث اختفاء مسؤولين آخرين رفيعي المستوى، بعضهم لفترات طويلة تصل إلى شهر، مع تجاهل بكين الحديث عن وضع مسؤوليها.
سبق "فو" في الاختفاء، وزير الخارجية تشين جانج، الذي أقيل بسبب علاقة غير شرعية عندما كان سفيرًا لبلاده لدى الولايات المتحدة، وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
كثرت التقارير عن الوزير المختفي، فكان منها ما يفيد خضوعه لتحقيقات بتهم فساد، تفوح منها رائحة صفقات أسلحة، أبرمها "فو" في معزل عن الحكومة، وذلك وفق مسؤول أمني إقليمي وثلاث شخصيات على اتصال مباشر بالجيش الصيني، تحدثوا لوكالة أنباء "رويترز".
التهم المحتملة، غالبًا ستدفع الإدارة الصينية إلى إقالة وزير الدفاع، لتكون الإقالة الثانية لوزير صيني خلال أقل من شهرين بعد وزير الخارجية الصيني الذي أُطيح نهاية يوليو الماضي.
أين "فو"؟.. اختفاء يغذي الشائعات
أنباء التحقيقات مع "فو" الذي تقلد منصبه في مارس الماضي لم تناله وحده، بل طالت 8 مسؤولين كبار من وحدة المشتريات العسكرية الصينية التي ترأسها شانج فو منذ عام 2017 وحتى العام 2022، في تحقيقات من شأنها تضييق دائرة الموالين للرئيس الصيني، شي شينج بينج، صاحب النفوذ الأكبر في الصين منذ عهد الزعيم ماو تسي تونج.
وبينما يغذي اختفاء شانج فو شائعات إقالته بتهم فساد، لم تنف الصين الأنباء الواردة عن وزير الدفاع، مع رفض المتحدث باسم الخارجية الصينية ماو نينج، الإجابة على أسئلة الصحفيين بشأن اختفاء "فو"، دافعًا بـ"أنه ليس سؤالاً دبلوماسيًا"، تاركًا احتمالية خضوع شانج فو ومجموعته للتحقيقات محل تساؤلات.
وسبقت اختفاء وزير الدفاع دعوة للجنة فحص الانضباط في الجيش، وهي الجهة المشرفة على التحقيقات، للإبلاغ عن أي مخالفات منذ بداية 2017 حتى 2022 أي في الفترة الزمنية التي أشرف فيها شانج فو على إدارة الوحدة، في خطوة نادرة من قبل اللجنة.
التحقيقات أطاحت باثنين من كبار جنرالات القوة الصاروخية الصينية المسؤولين عن الترسانة النووية، في خطوة سبقها أيضًا تواريهم عن الأنظار. ورفض المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية حينها التعليق على أسئلة الصحفيين بشأن خضوع المسؤولين للتحقيق، مع اكتفائه بالرد بأن "بكين لا تتهاون أبدًا مع الفساد وتُعاقب كل حالة فساد".
لم يظهر شانج فو للعلن منذ 29 أغسطس حين شارك في منتدى أمني مع الدول الإفريقية في بكين، بعد زيارته كلًا من روسيا وبيلاروسيا، التي خضع بعدها مباشرة للتحقيقات من قبل اللجنة.
ومنذ أصبح شانج فو محل اتهام، ألغت بكين زيارة مقررة له إلى فيتنام في 3 سبتمبر الجاري لحضور الاجتماع الدفاعي السنوي بين البلدين، معللةً إلغاء الزيارة بتردي الحالة الصحية للوزير، وذلك حسب مسؤول فيتنامي تحدث إلى "رويترز"، تلاها إلغاء محادثات مع مسؤول عسكري سنغافوري كبير في الصين، ما جعل تغيب شانج فو محل تساؤلات من قبل الدبلوماسيين الإقليميين أيضًا.
اقرأ أيضًا:
"فو" ليس حادثة عابرة.. سبقه كثيرون بينهم "شي"
لطالما اشتهر هذا البلد الآسيوي الشيوعي الشمولي الكبير، بغموضه سياسيًا، وتاريخه الطويل في سوابق اختفاء مسؤوليه، الذين يظهرون لاحقًا وبعد أشهر في تحقيق تأديب سري بتهم فساد، يكشفها عادة بيان ما يعلنهُ الحزب الشيوعي الحاكم، دون مزيد من التفاصيل.
في العام الماضي، اُصطحب الرئيس الصيني السابق هو جينتاو 79 عامًا إلى خارج الجلسة الختامية لمؤتمر الحزب الشيوعي، بينما كان جالسًا إلى جانبه خلفه الرئيس الحالي، حيث ظهر "جينتاو" ينادي "شي" ويخبره بشيء ما ويصر على عدم الخروج، ليبتسم الآخر ويومئ برأسه إليه طالبًا منه المغادرة مع الحارسين دون النظر إليه، ويحتفظ بأوراق كان يمسكها "جينتاو"، وأعلنت بكين حينها أنه كان يعاني من وعكة صحية لذلك توجب خروجه، وشوهد جينتاو بعد عدة أشهر في جنازة جيانج زيمين زعيم صيني سابق.
في العام نفسه، اختفى وزير الصناعة شياو ياكينج، عن الأنظار لمدة شهر تقريبًا، ليظهر لاحقًا في تحقيق بتهمة الفساد.
وفي حادثة كانت على غير مثيلاتها، اختفى الرئيس الصيني الحالي، لأسبوعين في سبتمبر 2012، وحينها كان يشغل منصب نائب الرئيس، ثم عاود الظهور مرة أخرى دون تقديم أي مبررات، ليبرر المسؤولين وقتها بأنه تعرضه لإصابة رياضية.
تولى شي شينج بينج منصب الرئيس بعد هذه الحادثة بشهرين فقط.
لم يكن الاختفاء من نصيب المسؤولين فقط، بل تمادى إلى رجال الأعمال وأصحاب النفوذ الاقتصادي في البلاد، فاختفى مالك موقع علي بابا، جاك ما، عقب فترة وجيزة من انتقاده السياسة الاقتصادية للصين.
حينها، وصف البنوك الصينية بـ "التقليدية".
وانتشرت الشائعات عن وضع "ما" قيد الإقامة الجبرية أو الاحتجاز، وما زاد تلك الشائعات حينها تصديقًا، هو إلغاء السلطات تعويم أسهم شركته "آنت جروب" في خطة كانت بقيمة 26 مليار جنيه إسترليني.
توارى "ما" عن الأنظار لمدة 3 أشهر. وبعد ذلك، انتشرت تقارير عدة عن مشاهدة ما في بلدان عدة مثل إسبانيا وهولندا وتايلاند وأستراليا، حسب ذكر "بي بي سي".
اختفى أيضًا جو جوانجتشانج، الملياردير الصيني، عن الأنظار، ليظهر لاحقًا بعد أيام وقوعه تحت طائلة القانون بشبهة التحقيق في تهم فساد، وأوقف تداول أسهم شركته في هونج كونج، حتى يتعاون مع السلطات في التحقيق، وأفرج عنه عقب انتهاء التحقيقات.