-

"الشيخ الجائل".. بائع الفرحة الباحث عن الرزق في

(اخر تعديل 2024-09-09 15:26:01 )
بواسطة

كتب: محمود الطوخي

هكذا يتحامل أحمد هريدي على نفسه كل يوم دون شكوى، وها هو بقامته المتوسطة وجسده المنهك وعينيه الزابلتين يسير حاملاً على ظهره صندوقاً خشبياً صغيراً جمع فيه بعض الكرات البلاستيكية والألعاب الورقية، تتباطأ خطواته التي تتبدل مع عكاز يتوكؤ عليه كلما مرت الدقائق، لكن سرعان ما ينال منه التعب والإرهاق بعدما قطع الشارع ماشيا يدلل على بضاعته في حرارة شمس الظهيرة المتزايدة، وشيخوخته الضاربة بجذورها في ثنايا وجهه القمحي ولحيته التي اشتعل الشيب فيها، فيجلس منهكا على أحد المقاهي المألوفة في شارع ترعة عبد العال بمنطقة بولاق الدكرور.

يغادر الرجل المسن منزله يوميا مع طلوع الشمس، ساعياً في تحصيل مبلغ زهيد يكفل به زوجته المريضة وولديه اللذين لا يزالان في التعليم، وما يحمله من الألعاب البدائية التي صنعها في منزله قد لا تتخط قيمتها 100 جنيه: "ببيع المروحة الورق بـ 5 جنيه والكورة بـ 3 جنيه وربنا بيرزقني كل يوم بـ 75 أو 100 جنيه".

قبل أكثر من ثلاثين عاما عمل الرجل صاحب الـ 77 عاما في مجال المعمار بعدة دول خليجية، لكنه عاد إلى مصر بعدما انقطع عمله في تلك الدول ولم يتمكن من إيجاد وظيفة بإحدى شركات المقاولات بسبب تراجع مجال المعمار آنذاك: " كنت ممكن أقبض 5 آلاف جنيه وأنا في الخليج طول السنة والحمد لله اشتريت بيت".

ظل هريدي الذي لديه 12 من الأبناء 4 فتيات و8 أولاد لعدة أشهر يبحث عن عمل يكفل به أولاده بعدما شارفت أمواله التي ادّخرها خلال سنوات عمله السابق على النفاد، حتى بدأت الأوضاع تزداد تأزما يوما بعد آخر خصوصا بعد إصابته بمرض السرطان:" عملت أربع مناظير في معهد الأورام مع كميات كبيرة من الأدوية".

لم يعد بمقدور الرجل الكهل العمل في المعمار مرة أخرى حتى وإن توفرت الفرصة، ليجد نفسه مضطرا للتصرف سريعا، فسار هائما في الشوارع والأفكار قد تزاحمت في رأسه، إلى أن صادف أحد الباعة الجائلين بأحد شوارع الجيزة: " علمنى أصنع الطائرات الورقية إزاى... وبقالى 37 سنة بعملها وأمشي أبيعها للأطفال في الشوارع".

وكأن القدر أبى أن تستكين له الحياة؛ ليقع منزله الذي اشتراه مسبقا ضمن نطاق تنفيذ أحد المحاور الجديدة، فيضطر إلى هجره مقابل تعويض مادي يبلغ 150 ألف جنيه ويبحث عن مسكن آخر، فتجبره الظروف إلى استئجار شقة متواضعة، تتكون من غرفة واحدة وحمام ومطبخ مقابل 500 جنيه وهي ذات قيمة ما يحصل عليه من معاش شهري: " لفيت كتير لحد ما لقيت شقة 50 متر في نفس المنطقة بس كان سعرها 400 ألف جنيه".

يتعلق حظ هريدي في بيع منتجاته بدفعة ريح تدور معها "المراوح الورقية" فتجذب أنظار الأطفال في الشوارع، أو بمناسبة تجمع عدد كبير منهم، يجني منها بضعة جنيهات يجهد في توفير نحو 150 جنيها منها لشراء علاج أسبوعي لزوجته العجوز: "المواد اللى بصنع بيها كلها ببلاش بجيب الأقفاص التالفة من السوق والأكياس مساحيق الغسيل الفارغة من محل المنظفات".

ورغم تقدمه في العمر يأبى البائع الجائل أن يكون عبئا على أبنائه المتزوجين، وعفّت نفسه أن تمتد يده إلى ما يحصل عليه ولديه من مقابل عملهما في المقاهي الذي يبلغ 100 جنيه لكل منهما: "بحوشلهم عشان يتجوزوا.. بس أهم حاجة أن ربنا قدرنى وجوزت البنات".