"بكرة العيد ونعيّد".. موروثات شعبية شارفت على
كتب: محمود الطوخي
"بكرة العيد ونعيد وهايدبح الشيخ سيد"، كلمات لطالما تغنّى بها الأطفال ليلة العيد وهم يجوبون الشوارع والحارات مهللين بالأنشودة التي اجتمعوا ونشؤا عليها، لكنها الآن ذكرى تثير الشجن في نفس أحمد عاطف الشاب صاحب الثلاثين عاما: "كل شيء رغم بساطته كان يبدو مختلفا فتلك الكلمات كانت تبعث الفرحة في قلوب الكبار والصغار ابتهاجا بالعيد".
وبمرور الأيام اختفت الأنشودة الشعبية التي اختص بها الأطفال عيد الأضحي في الحارات والمناطق الريفية ومعها كثير من العادات التي حرص الريفيون على حفظها، لكن بعضها قد قضي والبعض الآخر يصارع الاندثار: "كثير من تلك المراسم لم تعد موجودة حاليا بسبب بعض التوترات الاجتماعية وكذلك انشغال كثير من الشباب بأعمالهم التي تتبع صلاة العيد".
بينما تذكر محمود صابر تلك المرة التي رأي فيها رسمة للكعبة المشرفة على جدار لأحد المنازل وهو في الرابعة من عمره، لم يكن يعرف ماهيتها فسأل والده الذي حدثه عنها فيما بعد: "اعتدنا في صغرنا على مشاهدة تلك الرسمات التي كانت تزين جدران المنازل قبيل العيد وحتي تلك أصبحت ذكرى من طيات الماضي لا يُقبل عليها كثيرون في هذه الأيام".
تنقضي صلاة العيد وقبل أن يصعد الخطيب المنبر كان جميع الأطفال يغادرون المسجد، كل ذلك ولم ترتفع الشمس بعد ولكنها تطل في الأفق على استحياء بلون أحمر بديع يكشف حقولا اكتست بالخضرة من حول المسجد على مساحات مترامية، وزقزقة العصافير في أشجارها تزكّي تلك اللوحة الطبيعية فتبعث في نفوسنا الفرحة، هكذا يقول أحمد عبدالله.
يفرغ الإمام من خطبته وينفض الناس إلى البلدة وما أن يصلوا إليها حتي يصطفّوا خلف بعضهم استعدادا للمرور على المنازل، فيتبادلوا التهنئة كما جرت العادة، يقول عبدالله: "كنا نتخلل الصفوف لنصافح من وقفوا أمام أبواب المنازل في محاولة لتقليد آبائنا وكنا نسعد كثيرا عندما نلقي الاهتمام والتشجيع منهم".
وخلال أيام العيد الثلاثة لم تكن الزيارات تقتصر على الأقارب فقط؛ لكنها واجب لا يمكن التملص منه على سكان البلدة جميعا: "كان أمرا جليا لدي الجميع وكنا نقبّل أيادي المسنين الذين نعتبرهم أجدادنا وجداتنا حتي وإن لم يكونوا من الأقارب".
ثلاثتهم وقفوا يتنهدون اشتياقا لأيام قد خلت ومعها كثير من العادات والمراسم التي مثلت طفولتهم، الآن سيذهب عاطف ويخلع جلبابه الأبيض ويتجه إلى عمله بإحدي المستشفيات على عجل، بينما سيتجهز صابر ليرافق والدته خلال زيارتها لقبر والده، أما عبدالله فسوف يذهب إلى بيته لتجهيز أضحيته.