-

مدينة تحت الأرض.. حكاية سراديب الغموض والإثارة

مدينة تحت الأرض.. حكاية سراديب الغموض والإثارة
(اخر تعديل 2024-09-09 15:26:01 )
بواسطة

المنيا - جمال محمد:

منذ 87 عامًا كانت محافظة المنيا على موعد مع واحدة من أعظم الاكتشافات الأثرية التي جذبت أنظار العالم كله، بعد اكتشاف ما يشبه بالمدينة الأثرية الكبيرة تحت الأرض على مساحة 50 فدان تقريبًا و بأطوال تصل إلى 3 كيلو متر نظرًا لتفرع شوارعها المتعدد في كل الإتجاهات، ليكتب حينها عالم الآثار المصري الدكتور سامي جبرة صفحة جديدة من صفحات الآثار العريقة التي جرى اكتشافها على أرض عروس الصعيد.

"سراديب الغموض والإثارة".. هو لقب ليس تشويقيًا للاكتشاف الذي لازال يُعد الأشهر في جنوبي غرب محافظة المنيا، ولكنه حقيقة قائمة ويُعد من أبرز الأسباب التي تجذب السائحين لمنطقة تونا الجبل في مركز ملوي بالمنيا، إذ تعد السراديب الأربعة تحت الأرض بمقتنياتها الفريدة محط أنظار الكثيرين، لتصميمها ذو الطابع الخاص، ولمقتنياتها الأثرية كأكبر جبانة لدفن مومياوات الطيور والحيوانات في مصر.

جرى اكتشاف سراديب "تونا الجبل" عام 1937 على يد عالم الآثار الكبير الدكتور سامي جبره، مدير حفاير بعثة جامعة القاهرة، والذي ظل يعمل فيها حتى 1952 وتوقفت مع قيام الثورة، وتعد تلك هي البعثة الوحيدة التي عملت هناك حوالي 21 سنة.

"مصراوي"، يُبرز أهم المعلومات عن منطقة سراديب تونا الجبل بمحافظة المنيا، تزامنا مع إعلان محافظ المنيا اللواء عماد كدواني الاستعداد لتطوير المناطق الأثرية استعدادا للموسم السياحي الجديد.

تبلغ مساحة سراديب تونا الجبل تحت الأرض وفقًا لتقارير الآثار نحو حوالي 50 فدانًا، وتضم 4 شوارع رئيسية يتفرع منها مئات الشوارع الجانبية بأطوال تصل إلى 3 كيلو متر تقريبًا، وتضم 4 سراديب وهم السرداب ( a ) وهو أعمق السراديب ولم يتم العثور فيه على مومياوات، والسرداب ( b ) وله باب منفصل، ويتميز بأن الأرض الخاصة به مليئة بالمنحنيات وأنت تثير فيها تشبه بيت الرعب، ويملأ السرداب مومياوات لطيور الأيبس المقدس .

كما نجد السرداب ( c ) وهو السرداب الوحيد المسموح فيه بالزيارات، وبه قاعة للآله "جحوتي" وتمثال لقرد البابون من الحجر الجيري ومومياء القرد المحنطة، وأهم ما يميزه وجود ما يشبه الأرفف في جدرانه بشكل كثير، وتضم توابيت من الفخار والحجر الجيري والخشب، وتضم مومياوات لطيور الأيبس، و مكان مخصص لمومياء القرد "البابون"، كما تم العثور فيه على آلاف المومياوات، كما أن في نهايته قبر لكبير الكهنة عنخ حور وتعني "حورس الحي" وكان المشرف على أعمال السراديب ويديرها قديمًا برفقة كهنة آخرين .

وفي النهاية نجد السرداب (o ) والذي قام الدكتور سامي جبره بفصله إلى سرداب منفصل عن باقي السراديب، وسُمي بالمتحف السفلي وكان يُعرض فيه آثار تونا الجبل سواء تماثيل أو تمائم خلال أربعينات وخمسينات القرن الماضي، وتم نقلها فيما بعد إلى متحف ملوي بعد مغادرة البعثة.

وبحسب الدراسات الأثرية فإن منطقة السراديب قد خصصت لدفن الحيوانات المقدسة خاصة القرد المقدس "قرد البابون" وطائر الأيبس والذي يشبه طائر أبو قردان، وكان يتم تحنيط أي طائر يموت ويجرى وضعه في السراديب بشكل منظم، سواء كانت توابيت مصنوعة من الفخار أو حجرية أو خشبية، فيما كان يتم إعدام أي شخص يقتل ذلك الطائر نظرًا لقدسيته، إذ تم تخصيص حدائق وآبار لتلك الطيور لتعيش حياة جيدة في وقت كان يتم تقديسها.

وتعد منطقة تونا الجبل بمثابة الجبانة المتأخرة لمدينة الأشمونين، وتضم الكثير من الآثار الهامة التي يرجع معظمها إلى العصور الفرعونية المتأخرة والعصرين اليوناني والروماني، وقد عرفت في النصوص المصرية القديمة باسم "تا-حنت" وتعني البركة أو الفيـضان، ثـم عرفت في العصر اليوناني باسم "تا-ونس" ويعنى نفس المعنى، ويُشير هـذا المعنى "البركة والفيضان" إلى التجمع المائي الذي كان يحدث في هذه المنطقة نتيجة للفيضان، ومن كلمة "تا-ونس" اشتُقت الكلمة العربية "تونا" ثم أُضيفت إليها "الجبل" لموقعها بالقرب من الجبل.

يذكر أن سراديب تونا الجبل ليست هي الوحيدة في المنطقة الأثرية الهامة، ولكن منطقة تونا الجبل تضم عدة آثار شديدة الأهمية يأتي في مقدمتها مقبرة شهيدة الحب "إيزادورا"، ومقبرة بيتوزيرس، والساقية الرومانية، ولوحات حدود مدينة إخناتون، وهي أفضل اللوحات التي حفظت حدود المدينة، ونُحتت في أحد صخور المنطقة قبل مدخل جبانة "تونة الجبل" صور عليها إخناتون ونفرتيتي وبناتهما يتعبدون للإله آتون، فضلا عن منطقة "الغُريفة" التي شهدت 3 اكتشافات أثرية خلال العشرة سنوات الأخيرة وتبوح بأسرارها من حين لآخر.

اقرأ أيضًا..