-

بعد 200 يوم من العدوان.. اكتشاف مئات الجثامين

(اخر تعديل 2024-09-09 15:26:01 )
بواسطة

بي بي سي

وصلت السيدة أم محمد زيدان إلى المقبرة الجماعية التي تم اكتشافها داخل مستشفى ناصر الطبي في مدينة خان يونس، لتبحث عن جثة ابنها نبيل الذي استشهد قبل عدة شهور خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي للمدينة، تسير بخطوات متثاقلة ونفس منكسرة وتحمل بين يديها باقة من الورود وزجاجتين من العطور وزيت الكافور، تبحث بين الجثث المتناثرة في محاولات حثيثة ويائسة للعثور عليه، لتقوم بتغطية جثته بالورود ورش العطور عليها لأنها كانت تخطط قبل الحرب لتزويجه وإقامة مراسم زفاف كبيرة له، كما قالت.

جثث متحللة وجماجم مدفونة

يضيف شاهد عيان في حديثه لبي بي سي "شاهدت جماجم مدفونة في الأرض وأيدي وأرجلاً مقطعة وجثثاً متحللة، وكانت الرائحة فظيعة جداً في المقبرة الجماعية التي اكتشفها جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في داخل مستشفى ناصر الطبي مقابل مبنى قسم أمراض الكلى في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة "وذلك بعد انتهاء العملية البرية الإسرائيلية في المدينة قبل عدة شهور".

وتقول سيدة ثانية وصلت لمكان المقابر إن آثار ابنها اختفت منذ عدة شهور وعلمت لاحقاً أنه كان موجوداً برفقة صديق له داخل مستشفى ناصر، وبعد عدة أيام من محاصرة القوات الإسرائيلية لهم طلبت منهم الخروج ومن ثم أطلق جنود إسرائيليون النار عليه وقتلوه بثلاث رصاصات.

تقول السيدة وقد بدا على ملامح وجهها التعب والإنهاك الشديدان بسبب حزنها الكبير وبكائها الكثير على نجلها، إنها جاءت اليوم لتبحث عنه بين الجثث، ولكنها تواجه صعوبة بالغة في التعرف عليه لأنها علمت لاحقاً من صديقه أنه قام بتبديل ملابسه التي كان يرتديها عندما اختفت آثاره، وأصبحت هي الآن في مهمة بحث ثانية تحاول الوصول إلى شكل الملابس التي كان يرتديها، ولكن المهمة تبدو معقدة ومستحيلة.

اختفاء ألفي شخص

استفاق سكان مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة على أنباء اكتشاف مقابر جماعية حفرتها قوات الجيش الإسرائيلي بعد توغلها في المدينة لعدة شهور قبل أن تتراجع على أطرافها الشرقية، وهرع هؤلاء السكان مسرعين لتفقد الجثث، حيث أن الكثير منهم فقدوا أبناءهم ولا يعرفون مصيرهم.

ومنذ يومين تواصل فرق الدفاع المدني الفلسطيني والأهالي عمليات انتشال عشرات الجثث، بل ربما المئات، إذ أعلن الناطق باسم الدفاع المدني بغزة انتشال أكثر من 283 جثماناً من مختلف الفئات العمرية بينهم العشرات من داخل مستشفى ناصر كانت دفنتهم قوات الجيش الإسرائيلي، فيما ظل نحو 500 شخص في عداد المفقودين، مؤكداً أيضاً اختفاء 2000 فلسطيني فيما وصفه "بمجزرة خان يونس" الأخيرة .

وأضاف في تصريح صحفي "الاحتلال الإسرائيلي يجرف عشرات الجثث ويدفنها قبل انسحابه من أي منطقة في القطاع والعدد الأكبر من ضحايا المقابر الجماعية واقتحام المستشفيات هم نساء وأطفال ومن المرضى والنازحين".

"قام جنود الجيش الإسرائيلي بتعرية عشرات المرضى والنازحين وكوادر طبية قبل أن يقوم بإعدامهم بدم بارد رمياً بالرصاص، كما وأنهم قاموا بحفر مقبرتين جماعيتين داخل أسوار مجمع مستشفى ناصر الطبي بهدف إخفاء جرائمهم البشعة.. ونتوقع وجود 700 شهيد في تلك المقابر الجماعية"، وذلك وفقاً لمدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة.

وأكد الثوابته في بيان صحفي أن مصير عشرات ممن كانوا في مجمع ناصر لا يزال مجهولاً بعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من مدينة خان يونس.

وقال " وجدنا في مجمع ناصر جثثاً دون رؤوس وأجساداً دون جلود وبعضهم سُرقت أعضاؤهم" مطالباً بفتح تحقيق دولي لمعرفة أسباب تبخر وتحلل جثث بعض منهم، على حد تعبيره.

يقول الطبيب الفلسطيني أحمد أبو مصطفى من مستشفى ناصر لبي بي سي إنهم وجدوا جثثاً بلا جلود وأخرى بلا أعضاء وبعضها بدون رؤوس، وإن إحداها تعود لأحد الكوادر الطبية، وقد تمكنوا من التعرف عليه من الزي الذي كان يرتديه وقد كان مقيد اليدين وكانت ملامحه مختفية، على حد قوله.

الصليب الأحمر: يجب وقف شلال الدم في غزة

أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن هناك مزيداً من الجثث تنتشر في كافة أرجاء قطاع غزة، وهذا ما يدلل على أن الفاجعة لا تزال مستمرة وتتكشف جراء تلك الحرب المأساوية والتي لا بد أن تتوقف، ويجب وقف شلال الدم في القطاع والسماح بالعمل بكل حرية للمؤسسات الدولية والإغاثية والإنسانية، وفقاً لما قاله هشام مهنا المتحدث باسم اللجنة في حديثه لبي بي سي.

اكتشاف مقابر جماعية أخرى

اكتشاف المقبرتين في خان يونس ليس الأول من نوعه، حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية قبل عدة أيام فقط تفاصيل ما وصفته بـ"أفظع مجزرة" ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، بعد انتشال جثامين 30 شخصا دفنوا في مقبرتين بمجمع الشفاء الطبي، وتحدثت الصحة عن جرائم بحق الإنسانية تكاد تكون الأبشع في التاريخ بحق مجمع طبي.

وقالت الوزارة في بيان سابق إن إحدى المقبرتين أمام قسم الطوارئ والأخرى أمام قسم الكلى، وإنه تم اكتشافهما بعد عدة أيام من عمل الطواقم الحكومية المختصة، بحثاً عن جثامين الضحايا التي أخفاها الجيش في زوايا مجمع الشفاء الطبي، وتحت بقايا ركامه وأنقاضه.

وتم التعرف على جثامين 12 شخصاً فقط، فيما لم يتم التعرف على البقية، حيث تقول مصادر وزارة الصحة إن الجيش الإسرائيلي تعمّد إخفاء الجثامين ودفنها عميقاً بالرمال وإلقاء النفايات عليها.

هذا وقد تكرر نفس المشهد تقريباً في مستشفى كمال عدوان الواقع في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة في فبراير الماضي، حين تحدث أطباء في حينها عن قيام القوات الإسرائيلية التي اقتحمت المستشفى بحفر القبور وسحب الجثث ثم سحقوها بالجرافات، ورصدت وكالة أنباء فرانس برس ما حدث في باحة مستشفى كمال عدوان وقالت إنها استحالت في حينه ركاماً، حيث سار فلسطينيون وسط الأنقاض لانتشال الجثث.

تواصلت بي بي سي مع الجيش الإسرائيلي للتعليق على ملف المقابر والجثث المفقودة إلا أنه لم يزودنا بالإجابة إلى الآن.