-

الأمين المساعد لـ "البحوث الإسلامية": الحوار

(اخر تعديل 2024-09-09 15:26:01 )
بواسطة

كتب - محمود مصطفى أبوطالب:

أكد فضيلة الدكتور محمود الهواري الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، على أهمية الحوار بين الأجيال، لبناء العقل الجمعي للمجتمع، من خلال تلاقح خبرات وتجارب كبار السن والحكماء مع تطلعات وآمال الشباب التي هي سمة طبيعية للأجيال الجديدة، وهذا التلاقح والتفاعل هو ما يميز مجتمع عن آخر، فالمجتمعات التي تتيح مساحة واسعة للحوار، تستطيع تجنب الطيش الفكري، الناجم عن استغلال عقول الشباب وتوجيهها بشكل غير سليم، فمع ما يملكه الشباب من حماس لا يمكن لاي مجتمع مهما كان أن ينجو من قفزاته الفكرية دون توجيهه بخبرات وتجارب الحكماء التي تحصنه وتوضح له الدروب والمسالك الفكرية الأمنة.

وقال الهواري أن أهمية النسخة الثالثة من منتدى مرصد الأزهر «اسمع وتكلم» تتأكد في خلق منصة حوارية للشباب تتيح لهم التعبير عن آرائهم وطموحاتهم، بالإضافة إلى الاستفادة من تراث حضارتنا الإسلامية العريقة، لهذا يسعى أعداء الأمة العربية والإسلامية لخلق فجوة بين الأجيال الحلية وتاريخهم المجيد، وذلك إدراكا منهم بأن تمسك شبابنا بتراثه هو حجر الأساس لنهضة الأمة وازدهارها، فحضارتنا التي تستمد نورها من حي إلهي وتزخر بتجارب الأجيال السابقة لامثيل لها على مر التاريخ الذي لم يُعرف حضارة اهتمت بتعزيز التواصل وتبادل الخبرات بين الأجيال وحماية عقول الشباب، كما فعلت حضارتنا العريقة، التي اعتمدت على شبابها لتحقيق إنجازاتها العظيمة.

وأضاف الهواري خلال كلمته في النسخة الثالثة من منتدى مرصد الأزهر «اسمع وتكلم»، أن المنطلق التي قامت عليها الحضارة الإسلامية هو منطلق إيماني، حيث إن المسلم مأمور بالسعي، وأنه مأجور عليه وهو ما بينه قول الحق سبحانه وتعالى، «قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، وأكده الرسول الكريم ﷺ حين مَرَّ به رَجُلٌ فَرَأى أصْحابُه رضي الله عنهم مِن جَلَدِهِ ونَشاطِهِ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كانَ هَذا في سَبِيلِ اللَّهِ! فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنْ كانَ خَرَجَ يَسْعى عَلى وَلَدِهِ صِغارًا فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ، وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعى عَلى أبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ، وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعى عَلى نَفْسِهِ يُعِفُّها فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ، وإنْ كانَ خَرجَ يَسْعى رِياءً ومُفاخَرَةً فَهو في سَبِيلِ الشَّيْطانِ»، لكنه هذا المنطلق الإيمان عول على العقل في التفكير والتدبر والنظر في مستويات متعددة بداية من النفس «وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ» مروًا بكل في الكون الواسع أمام الإنسان «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»، وبالغ الإسلام من مكانة العقل حين جعله أداة أساسية في عبادة الله، من خلال فرض التفكير والتدبر على المسلمين وقد نتج عن ذلك تشكيل عقلية متميز للمسلم، ساهمت في بناء أعظم حضارة عرفتها البشرية.

وأوضح الهواري أن الشخصية المسلمة نموذج فريد متكامل ينهل من ينابيع الوحي الإلهي، ويتغذى من ثمار تراث عريق، ويستلهم الدروس من تجارب وسلوكيات حكيمة، وتتشابك هذه المقومات الثلاثة - الوحي والعقل والأخلاق - لتشكل مثلثا متساوي الأضلاع لا غنى لأي ضلع منه عن الآخرين، يمثل فيه الوحي حجر الأساس للشخصية المسلمة، فهو النور الذي ينير دروبها ويهديها إلى طريق الحق والخير، ونستمد من تعاليم الوحي السمحة نهجنا في الحياة، ونستضيء بهدي الله في كل خطوة نخطوها، ولم يقتصر الوحي على حصر المسلمين في عبادة الله فقط، بل حثهم على العمل الجاد والسعي في طلب العلم، ودعاهم لأن يكونوا قادة في مجالاتهم.

وبين الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية أن منهج التفكير جاء به الإسلام ليعلي من قيمة الإنسان، وهو ما يجعل الشخصية المسلمة ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، لأنها لا تساوم على مبادئها، فالمسلم يرى أن الشر شر رغم محاولات تبريره، والخير خير مهما حاول البعض تشويهه، وهو ما يتضح من رفض الإسلام القاطع لمحاولات الاعتداء على الإنسان والاوطان دون النظر إلى دين أو عرق، وهو ما نراه متجذرًا في الشخصية المسلمة من رفضها لأعمال العنف دون النظر من يقوم بها ومن تمارس ضده.

وفي ختام كلمته وجه الهواري نداء للشباب، حثهم فيه على ضرورة استثمار عقولهم بكفاءة في مختلف مجالات حياتهم، وشدد على أهمية فهمهم لطبيعة أخلاقنا وحضارتنا العريقة، ليتسنى لهم التصرف بانسجام تام مع هويتنا وتاريخنا، لأن أمتنا العربية والإسلامية تحمل رسالة حضارية عظيمة، وأن دور الشباب هو تجسيد هذه الرسالة على أرض الواقع، ووصفهم بأنّهم شعلة مضيئة، وعليهم مسؤولية كتابة صفحات حافلة بالإنجازات.

ولتحقيق هذه الغاية، دعا الهواري جميع المؤسسات والهيئات إلى فتح أبوابها أمام الشباب، وتوفير الفرص لهم لاكتساب الخبرات وتطوير مهاراتهم، كما حث الحكماء على نقل خبراتهم وتجاربهم للشباب دون انتظار منهم لمبادرة الطلب