التوت القاتل.. كيف خطفت فاكهة الربيع حياة 3
الغربية- مروة شاهين:
تزين أشجار التوت ضفاف الترع في القرى المصرية، يستظل بها في الصيف، وتؤتي ثمارها في الربيع، ينالها من يحسن التقاطها من الشجر، حلوة المذاق مغرية للأطفال، يتنافسون على جمع القدر الأكبر منها، تسلية قادت بعضهم للهلاك وتركت للآخرين ذكريات تختلط فيها رائحة الدم برائحة التوت، وندوب باقية طول العمر.
في قرية إبيار بمحافظة الغربية، كانت عيني الطفل مروان محمد تتابع الثمار الصغيرة مع تكون الزهور في فبراير الماضي، يلقي عليها التحية وهو في طريق الذهاب والعودة من المدرسة، ينتظر نمو الثمار ونضجها ليقطفها ويتذوق منها الطعم الحلو الذي يشتهيه.
نضجت الثمار ورأى مروان أنه قد حان قطافها، اتفق ابن العشر سنوات مع أصدقائه الذين يكبرهم سنا من أبناء جيرانه على موعد الخروج واللقاء عند الشجرة، رغم أن الثمار متوفرة في السوق لكن جمعها أو بالأحرى انتقاء الناضجة منها من على الشجر له متعة يعرفها من استظل بها في الربيع، الأمر لا يتعلق بالأكل فقط بل متعة الحصول عليه.
بضع ثمرات ناضجة كبيرة، تبرعت بها الشجرة لتسقط قرب الجذع كانت بمثابة طُعم لجذب الأطفال، ساقت الريح بعضها أيضا إلى الترعة، تطفو فوق مياهها تغري من يراها من الصغار حتى يرونها فرصة ضائعة، تدفعهم للحصول على القدر الأكبر منها قبل سقوطها في التراب أو غرقها في المياه.
وصل الأطفال في الميعاد عن الشجرة، التقطوا بعض الثمار التي سقطت لتوها قبل أن ينالها التراب، سحرهم الطعم تنافسوا لجمع القدر الأكبر منها، تسابقوا لتسلق الشجرة، وكان مروان أسرعهم وصولا للثمار، لكنه لم يدري أن الشجرة التي ندهته تميل فروعها دوما مع ثقل حملها، لتنحني في صورة أشبه بسنارة صياد أمسك بصيده لتوه، وكلما تابع الثمار الكبيرة على الفرع قاده ذلك إلى نهايته الأضعف والأقل قدرة على حمل طفل.
ثبت قدميه كأنه يحتضن بهما الفرع، وبيد أغلق طرف ردائه على ما جمعه من التوت، وبالأخرى يهز الفرع ليسقط الثمر الناضج على الأرض يجمعه أصدقاءه، حلاوة المذاق كانت كالسحر أنسته الخوف، أفقدته الشعور بالخطر، مال به الفرع وخارت عضلات قدميه التي تثبته، فسقط أرضا على ظهره.
هرع الأصدقاء إلى مروان، بينا نداء وبكاء وصراخ طلبا للمساعدة، كان صديقهم الأكبر يلفظ أنفاسه الأخيرة ويده بين كفوف أصحابه، وفي يده الأخرى أخر ما التقطه من التوت.
على ترعة أخرى بقرية الانبوطين بمركز السنطة، تجمع الأهالي بجوار شجرة توت لإنقاذ الطفلين عبدالرحمن سعد 6 أعوام، ومحمد هيثم 9 أعوام، كانا ضمن مجموعة أصدقاء خرجوا في رحلة جمع التوت أيضا.
فروع تلك الشجرة كانت أطول، تمتد فوق مياه الترعة، وأكثر ميلا لما تحمله من كمية أكبر، كانت كفيلة لتغري الطفلين عبدالرحمن ومحمد ليحاولا الوصول إليها، تسلقا الجذع ووصلا إلى الفروع، زحفا كما الأطفال وصولا إلى الأفرع الأقل عرضا وأكثر حملا للتوت، وحين وصلا لطرف الفرع تخلت عنهم الفروع تركتهم للهواء الذي لم يحملهم فسقطا في المياه.
كان منسوب المياه في الترعة مرتفعا بما يكفي لتغمر الطفلين، أنقذ الأهالي محمد، بينما سحب التيار عبدالرحمن، تابع الأهالي الصغير حتى وصلوا لمكانه بعد ساعتين وانتشلوا جثمانه بمساعدة رجال الإنقاذ النهري.
خوف الأهالي من نداهة التوت، وجعل أبنائهم ذكرى وقصة تروى في حكاية الموت، يدفعهم لقطع أفرع أشجار التوت، أو التخلص منها بفصلها عن الأرض وكسر الجذع، إلا أن ما تبقى من الشجر وبثماره الحلوة ما زال قادر على جذب ضحاياه من الأطفال.