"حال إدانتها".. هل تُلزم العدل الدولية إسرائيل
مصراوي
تتجه أنظار المسؤولين والمهتمين بالشأن الفلسطيني حول العالم إلى لاهاي الهولندية، مع بدء جلسات الاستماع، اليوم الخميس، في دعوى أقامتها جنوب إفريقيا بمحكمة العدل الدولية تختصم فيها الاحتلال الإسرائيلي؛ لارتكابه جرائم إبادة جماعية خلال حربه على قطاع غزة.
وفيما يقول رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن بلاده تتصرف بـ "أخلاق مثالية" خلال الحرب في غزة، قدّمت جنوب إفريقيا ملفًا قانونيًا يتكون من 84 صفحة يشير إلى أن النهج الإسرائيلي "يحمل طابع الإبادة لأنه يهدف إلى تدمير جزء كبير من الفلسطينيين في القطاع".
ووفقا للأدلة التي أرفقتها جنوب إفريقيا بملفها المقدم إلى المحكمة الدولية، فإن جرائم الإبادة المُشار إليها تتضمن إلى جانب قتل الفلسطينيين، تعمّد التسبب بأضرار نفسية وجسدية، بالإضافة إلى حصرهم في ظروف تهدف لـ "تحقيق تدميرهم الجسدي كمجموعة، وفق ما ورد في الوثائق.
كذلك لم تغفل جنوب إفريقيا ذكر تصريحات علنية لبعض المسؤولين الإسرائيليين تفصح عن نية بتنفيذ إبادة جماعية لسكان القطاع، وهو ما جعل جولييت ماكنتاير، محاضرة قانونية بجامعة جنوب أستراليا، تصف الملف المقدم بأنه "تمت صياغته بعناية مطلقة"، في تصريحاتها لـ "بي بي سي".
وأشارت ماكنتاير إلى أن الملف "يهدف لمواجهة الحجج الإسرائيلية المحتملة، وكذلك معالجة ادعاءاتها بالتشكيك في اختصاص العدل الدولية بالبت في الدعوى"، موضحة أن جنوب إفريقيا تناقشت مع الاحتلال الإسرائيلي في أكثر من مناسبة قبل إقامة دعواها.
وكان المتحدث باسم حكومة الاحتلال إيلون ليفي، أعلن قبول دولته بالمثول أمام المحكمة الدولية للدفاع عن نفسها، محمّلا حركة حماس ما وصفه بـ "المسؤولية الأخلاقية عن الحرب التي بدأتها".
وفي هذا الصدد تقول ديالا شحادة، محامية لبنانية سابقة بالمحكمة الجنائية الدولية: "إن الاحتلال قبِل الذهاب إلى العدل الدولية كونه ضمن الموقّعين على اتفاقية الإبادة الجماعية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1948، لذلك لا يمكنه المخاطرة بصدور حكم غيابي ضده"، وفق بي بي سي.
وتوضح شحادة أن إثبات نية الاحتلال لإبادة الفلسطينيين أكثر أهمية من إثبات الإبادة نفسها، مؤكدة أن ملف جنوب إفريقيا تضمن تلك الإثباتات، فقد وثّق خطابات لمسؤولين إسرائيليين تدعو لمسح غزة وقتل الفلسطينيين.
وأكدت المحامية اللبنانية أن "الإبادة الجماعية" لا تقتصر على أفعال القتل فحسب، لكنها تشمل كذلك اضطهاد جماعة وتجويعها وحرمانها الخدمات الأساسية
وتنص اتفاقية الإبادة الجماعية الموقعة عام 1948 على : "يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية سواء كانوا حكاماً دستوريين أو موظفين عامين أو أفراداً"، والتي تندرج ضمن اختصاصات محكمة العدل الدولية وفق مقررات هيئة الأمم المتحدة.
وبينما يشير خبراء إلى توقعات بصدور الحكم قبل نهاية يناير الجاري، فإن سوابق قضائية للمحكمة في لاهاي لا تؤكد تلك الآراء، إذ سبق وأن تقدمت جامبيا بدعوى نيابة عن مسلمي الروهينجا غير المعترف به دوليا ضد ميانمار في نوفمبر 2019، وحتى الآن لم تعقد جلسات الاستماع للنظر فيها.
وفي حال أصدرت المحكمة حُكما بثبوت الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ينص القانون على أن تُحال القضية إلى إحدى المحاكم المحلية للطرف الذي وقع عليه الجرم، وفقا لشحادة.
وهو ما سيحتم على إسرائيل المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي والتي لم يشارك فيها الاحتلال، إذ أسندت فلسطين إليها في يونيو 2014 النظر في القضايا التي تخصها، ما سيجبر الإسرائيليين على الخضوع إليها بصفتها محكمة فلسطينية في حال أدانتها العدل الدولية، بحسب تصريحات المحامية اللبنانية.
وقد طالبت جنوب إفريقيا محكمة العدل الدولية بإصدار قرار بوقف الحرب في غزة خلال مناقشة الدعوى التي أقامتها، كإجراء حتمي.
وفي حين تؤكد جولييت ماكنتاير على أن " هذا القرار من شأنه أن يضغط على إسرائيل، إلا أنها لفتت إلى أنه لن يكون قرارا نهائيا، وأن المحكمة الدولية لا تمتلك سلطة تنفيذه.
ففي فبراير 2022 أصدرت محكمة العدل الدولية حُكما يلزم روسيا بوقف عمليتها العسكرية، إلا أن موسكو تجاهلت القرار واستمرت في حربها.
وبالرغم من ذلك يؤكد خبراء قانونيون، أن إسرائيل ستبذل كافة المحاولات لتجنب صدور حكم يدينها في المحكمة الدولية، خشية عدم الالتزام بالقرارات الدولية وتشويه الصورة التي يسعى الاحتلال منذ سنوات لتحسينها أمام المجتمع الدولي في حال تأكيد ارتكابها الجرائم المذكورة.