-

باكستانيون يتخلون عن الهجرة بحرًا إلى أوروبا

(اخر تعديل 2024-09-09 15:26:01 )
بواسطة

إسلام آباد - (أ ف ب)

بعدما أمضى أسابيع في ليبيا ساعيًا للدخول بطريقة غير نظامية إلى أوروبا، فضّل الباكستاني محمد نعيم بات العودة إلى بلده، متخليًا عن مشروع كلّفت رحلته مئات الباكستانيين حياتهم قبل أكثر من شهر.

يروي محمد نعيم بات (39 عامًا)، وهو ينهمك بملء شاحنة بالرمل، كيف أنهى سعيه المحفوف بالمخاطر للحصول على حياة أفضل خارج باكستان عندما غرقت سفينة صيد متداعية ومثقلة بالمهاجرين في حزيران/يونيو قبالة سواحل اليونان.

يُعتقد أن ما يصل إلى 350 باكستانيًا كانوا من بين المئات الذين قضوا في غرق هذه السفينة، وهو الحادث الأكثر دموية في البحر المتوسط منذ عقد. بين هؤلاء 24 يتحدّرون من قرية خويراتا التي ولد فيها محمد نعيم بات والواقعة في منطقة كشمير الباكستانية.

ويقول لوكالة فرانس برس "عندما أعيد التفكير بما حصل، ألاحظ أنني خاطرت ولم يكن ذلك يستحق العناء. العائلة والأطفال هم الأهم في الحياة، وليس المال".

على غراره، عاد رجال آخرون متحدرون من خويراتا أدراجهم بعد حادثة الغرق هذه.

في باكستان التي تشهد أزمة اقتصادية حادة منذ عام، تسعى عائلات إلى جمع مبالغ ضخمة للدفع للمهرّبين الذين يرسلون مهاجرين إلى أوروبا. ويسعى هؤلاء إلى العمل لكسب المال وإرساله إلى أقاربهم.

وحصل محمد نعيم بات على مساعدة مادية من أصدقائه وأهله وباعت زوجته مجوهراتها لمساعدته في جمع مبلغ 2,2 مليون روبية (6900 يورو) طلبه المهرّبون.

في المرحلة الأولى من رحلته، سافر جوًا إلى دبي ثمّ إلى مصر. توجّه بعد ذلك بالبرّ إلى ليبيا حيث بدأت محنته.

أمضى شهرَين في مخيّم برفقة نحو 600 مهاجر آخرين، بانتظار معرفة موعد عبوره المتوسط.

بعد ذلك، وجد نفسه على متن قارب صيد متهالك أبحر في المياه الدولية لمدة ثمانية أيام، إلى أن أطلقت سفينة حربية ليبية النار على القارب ثم اصطدمت به.

تركتهم السفينة حين هبّت عاصفة، ثم عادت بعد أيام لسحب القارب. لدى وصول المهاجرين إلى اليابسة، أودعوا سجنًا.

قلق العائلات
ويقول محمد "قدموا لنا ما يكفي من الطعام لإبقائنا على قيد الحياة ... كلّ خمسة أشخاص كانوا يتقاسمون طبقًا من المعكرونة أو من الأرز المسلوق"، مضيفًا "كان هؤلاء الناس متوحشين".

خلال فترة سجنه، وصل نبأ غرق السفينة قبالة اليونان إلى خويراتا.

وتقول مهويش مطلوب (31 عامًا)، وهي زوجة محمد نعيم بات، لوكالة فرانس برس "لا يسعني التعبير عن الألم والقلق اللذين عشتهما على مدى أسبوع".

وتضيف "شعرت أن عالمي كلّه انهار تحت قدمَيّ".

بعد ذلك، أُفرج عن زوجها وتمكّن من التواصل مع أقاربه وإبلاغهم بأنه على قيد الحياة.

تقول والدته راضية لطيف (76 عامًا) "كنّا فضّلنا التسوّل لو علمنا أن (الرحلة) ستكون بهذه الصعوبة".

وصفت المنظمة الدولية للهجرة عبور البحر الأبيض المتوسط بأنه أخطر طريق للهجرة في العالم.

اختفى ما لا يقلّ عن 1728 مهاجرًا هذا العام خلال عبورهم المتوسط، فيما وصل عدد المفقودين العام الماضي إلى 1417.

غير أن الوضع الاقتصادي لأسر الشباب الذين ينجحون في الوصول إلى أوروبا قد يتحسّن إذا تيسر لأبنائهم إرسال المال لهم.

يتجلّى الفرق في الدخل بوضوح بين الأسر التي تتلقى أموالًا من أبنائها في أوروبا والأسر المتبقية، ويولّد ذلك غيرة، بحسب العضو في منتدى حقوق الإنسان في كشمير ظافر إقبال غازي.

توقّف موقت
وتجذب الوعود بجمع ثروات في الخارج الميسورين أيضًا نسبة للمعايير المحلية.

كان حمزة باتي (29 عامًا) يكسب 200 ألف روبية (630 يورو) شهريًا كسائق في السعودية، وهو مبلغ كان يكفي لتوفير حياة مريحة لزوجته وابنهما البالغ من العمر ثمانية أشهر. لكنه أراد مع ذلك أن يجرّب حظّه في أوروبا.

ويقول "كنت أعتقد أن الحياة في أوروبا ستكون أكثر أهمية مقارنة بتجربتي في السعودية. جشعي أخذني إلى مسافة قريبة من الموت".

ويشير العضو في منتدى حقوق الإنسان في كشمير ظافر إقبال غازي إلى أن أكثر من 175 شابًا تركوا خويراتا العام الماضي سعيًا للوصول إلى أوروبا، معتبرًا أن توقف الشباب من هذه البلدة عن هذه الرحلات مؤخرًا سيكون مؤقتًا.

أعلنت وكالة التحقيقات الفدرالية الباكستانية أنها ألقت القبض على 69 مهربًا منذ وقوع الحادث في اليونان، لكن إدانة هؤلاء ستكون امرًا صعبًا.

ويقول مسؤول في وكالة التحقيقات الفدرالية الباكستانية طلب عدم الكشف عن هويته "تكمن المشكلة في أن معظم هؤلاء الشباب لديهم تأشيرات دخول سارية المفعول لدبي ويستخدمونها كنقطة انطلاق للوصول إلى ليبيا".

ويضيف "هذه الظاهرة ليست جديدة ولن تتوقف مع مأساة القارب في اليونان".

لكن محمد نعيم بات لن يحاول تكرار هذه التجربة مرة جديدة، وفق زوجته التي تقول "أنا راضية بالعيش في الفقر طالما (زوجي) معي".