حرب تُطبخ على نار هادئة.. "رسول الموت" الروسي
كتب- محمود الطوخي
لم تكن الأوضاع العالمية أكثر سخونة خلال العقود الأخيرة، مما باتت عليه في الوقت الراهن، فالحرب الأوكرانية التي كسرت حالة السكون النسبي، أذنت بدخول مرحلة محمومة على المستوى الدبلوماسي ومن ثمّ العسكري، وخيط رفيع يفصل بين مناوشات استفزازية أو استعراضية، وبين صراع عسكري تنخرط فيه أقوى الأقطاب على الساحة العالمية، الصين وروسيا ومعسكرهما الشرقي في مواجهة الغرب بقيادة أمريكية.
بعد أيام من بدء الحرب بأوكرانيا في فبراير 2022، انخرط الغربيون وعلى رأسهم الولايات المتحدة في الصراع ضد روسيا عبر تزويد كييف بالأسلحة والعتاد اللازم لصد الهجوم الروسي، بل وسمحوا مؤخرا للجيش الأوكراني باستخدام بعضها في استهداف الأراضي الروسية، ما اعتبرته موسكو "اعتداء مباشرا" عليها.
وردًا على ذلك، لم تكف روسيا عن توجيه رسائل تحذيرية إلى الولايات المتحدة والمعسكر الغربي بالكامل، عبر إجراء مناورات عسكرية أو تنفيذ اختراقات للمجال الجوي الأوروبي أو الأمريكي.
الرسائل الروسية، وضعت غالبية الجيوش الأوروبية في حلف شمال الأطلسي في حالة تأهب، وسط تحذيرات من تنامي قوة موسكو العسكرية.
قاذفات نووية في الأجواء
وفي خضم المناوشات المتبادلة بين موسكو وواشنطن، أعلنت قيادة الدفاع الجوي والفضائي لأمريكا الشمالية "نوراد"، أمس الأربعاء، اعتراض قاذفتي قنابل استراتيجيتين روسيتين من طراز "تو-95"، وأخرتين صينيتين من طراز "إتش-6" في منطقة الدفاع الجوي لألاسكا.
وتعد هذه المرة الأولى التي يتم التصدي فيها لقاذفات روسية وصينية أثناء عملهما معا، كما أنها المرة الأولى التي تحلق فيها القاذفات الصينية "إتس-6" بمنطقة الدفاع الجوي في ألاسكا، وفق ما نقلته "سي إن إن" عن مسؤول دفاعي أمريكي.
وكشف المسؤول الدفاعي، أن طائرات أمريكية من طراز "إف-16" و"إف-35" إلى جانب مقاتلات كندية من طراز "سي إف-18"، اعترضت القاذفات الاستراتيجية الصينية والروسية.
خطوة روسيا بإرسال قاذفاتها الاستراتيجية إلى منطقة الدفاع الجوي في ألاسكا الخاضعة للولايات المتحدة، ربما تأتي على إجراء مماثل نفذه الجيش الأمريكي، الأحد الماضي.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن مقاتلاتها اعترضت قاذفتين أمريكيتين من طراز "بي-52"، فوق بحر بارنتس بالقطب الشمالي بالقرب من حدودها، ضمن طلعات ينفذها سلاح الجو الأمريكي فوق المياه الدولية في المنطقة خلال تدريبات روتينية.
لكن موسكو حذرت، في يونيو الماضي، من أن الطلعات الجوية للمسيرات الأمريكية فوق البحر الأسود، قد تقود إلى صدام عسكري مباشر، إذ تقول روسيا إنها تعمل لصالح جمع معلومات استخباراتية لأوكرانيا.
ويشير دخول القاذفات الاستراتيجية من الجانبين، إلى تزايد حجم التوتر بين القوى العظمى وكذا تعزيز احتمالية نشوب صدام مباشر متعمد أو غير متعمد، نظرا لقدراتها التسليحية الهائلة والتي تتيح لها حمل رؤوس وقنابل نووية.
مناورات عسكرية حاشدة
في مطلع العام الجاري، أطلق حلف شمال الأطلسي "الناتو"، مناورات "المدافع الصامد 2024" العسكرية، والتي استمرت لقرابة 4 أشهر ووُصفت بأنها الأكبر منذ الحرب الباردة، إذ شارك فيها نحو 90 ألف جندي من 14 دولة، كرسالة تحذيرية إلى روسيا من الإقدام على مهاجمة أي من أعضائه.
من جانبه، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بداية مايو الماضي، بإجراء مناورات نووية في وقت قريب، ردًا على تصريحات غربية "استفزازية"، حتى أن موسكو أجرت تعديلات على "عقيدتها النووية".
إلى جانب ذلك سعت موسكو، إلى محاصرة الولايات المتحدة عبر إحياء عداوات قديمة مع بعض الدول اللاتينية، بعدما أوفدت موسكو غواصة نووية و3 سفن حربية إلى دولة كوبا، يونيو الماضي، في زيارة كانت هي الأكبر إلى هافانا، وفق شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
الاستقطاب العالمي و"محاور القوة الشرقية الأربعة"
مع اتجاه الأوضاع إلى منحى تصعيدي أكبر، ذهبت روسيا والصين إلى تعميق علاقاتها ضمن عملية استقطاب سياسي ودبلوماسي والأهم عسكري، في مواجهة المعسكر الغربي.
وشرعت القوتان العسكريتان في تعزيز تعاونها العسكري مع دول شرقية أبرزها كوريا الشمالية وإيران، فيما وصفته وسائل إعلام غربية بـ"محاور القوة الشرقية".
فبحسب اتهامات أمريكية، فإن الصين تزود روسيا ببعض المواد والمنتجات التي تغذي الصناعات الدفاعية الروسية لتصنيع ما تحتاجه من أسلحة خلال الحرب، إذ أشار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى أن نحو 70% من أدوات الآلات و90% من واردات روسيا الإلكترونية الدقيقة تأتي من الصين.
أما بالنسبة إلى علاقات روسيا مع كوريا الشمالية، فإن أحدث ما جاء في عملية التعاون بين البلدين، زيارة بوتين إلى العاصمة بيونج يانج وتوقيع اتفاقية دفاع مشترك، في يونيو الماضي، تنص على تقديم إحدى الدولتين المساعدة للأخرى في حال تعرضها لهجوم أو اعتداء.
كما حذرت تقارير غربية من أن كوريا الشمالية تزود روسيا بأنظمة المدفعية والصواريخ البالستية والصواريخ قصيرة المدى لمساعدتها في الحرب بأوكرانيا.
وعلى الرغم من أن العلاقات بين روسيا وإيران لم ترقى بعد إلى مستوى التعاون الاستراتيجي، فإن طهران واجهت اتهامات عدة بتزويد موسكو بمئات الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة لاستخدامها في الحرب بأوكرانيا.
وذكرت وكالة "رويترز" البريطانية، في أبريل الماضي، أن إيران زودت روسيا بنحو 400 بينها صواريخ بالستية (أرض-أرض) من عائلة "فاتح-110" بمدى يصل إلى 700 كيلومتر.