جامعة القاهرة تنشر جهودها خلال 7 سنوات نحو
كتب- عمر صبري:
تلقى الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة، تقريرًا عن حصاد جهود الجامعة في ملف تأسيس خطاب ديني جديد، تفعيلاً للمبدأ الخامس من وثيقة التنوير الصادرة عام 2017، والذي ينص على ضرورة تأسيس تيار عقلاني عربي يقاوم الإرهاب ويفكك الفكر المتطرف، ويرفض التشدد والتعصب والرجعية وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، باعتبار الجامعة واحدة من المؤسسات العقلانية التي يقع عليها دور كبير في مشروع بناء الإنسان الحديث.
وكشف التقرير، نجاح جامعة القاهرة على مدار 7 سنوات في تأسيس خطاب ديني جديد والعودة إلى المنابع الصافية من خلال تطوير علوم الدين، وتفعيل دورها الفكري على المستوى المحلي والعالمي، حيث حرصت في السنوات الأخيرة، على تجارب التجديد بصور عملية من خلال شراكات واتفاقيات مع مؤسسات مرموقة وتبادل الخبرات والتجارب، والمشروعات البحثية المشتركة، وكذلك الدرجات العلمية الهادفة إلى تلاقح الأفكار، ونقل التجارب بما يثرى التجارب العريقة للجامعة الرائدة، كما حرصت الجامعة على ربط الإصلاح في كل صور الخطاب الدينى والشبابى والتربوى والإعلامى والتثقيفى بخطط التنمية ومشروعات التقدم الاقتصادى، بما تنعكس آثارها إيجابًا على المواطن في تفعيل قيم التقدم من العلم والعمل وتحمل المسؤولية، والاعتماد على الذات ودعم المبادرات الوطنية.
وأشار التقرير إلى إطلاق رئيس جامعة القاهرة مشروع متكامل نحو تأسيس خطاب ديني جديد، منذ أغسطس 2017 من خلال الإصلاح الديني وعلاقته بالتنمية الاقتصادية، والذي يهدف إلى العودة بالدين إلى المنابع الصافية، لتحرير الدين مما علق به عبر التاريخ من أساطير وإسرائيليات مكذوبة وآراء تجاوزت حدود القرآن والسنة المتواترة، وذلك من خلال تطوير علوم الدين وتجديد فكر المسلمين وليس الإسلام، والعودة إلى الإسلام المنسي، والتمييز بين المقدس والبشري في الإسلام، وتغيير طرق تفكير المسلمين، وتغيير رؤية العالم، وتأسيس مرجعيات جديدة.
بالإضافة إلى تعليم جديد منتج لعقول مفتوحة على العلوم الأخرى، والتعلم من دوائر معرفية أخرى، واحداث التفاعل بين العلوم الشرعية والإنسانية والاجتماعية، واستعادة روح عصور الابداع الفكري، وهو ما سعت الجامعة إلى تحقيقه من خلال عقد العديد من البروتوكولات والدورات التدريبة للأئمة والواعظات في العديد من المجالات الحياتية، من بينها تجديد الخطاب الديني واللغة العربية وآدابها، والارشاد النفسي، وعلم الاجتماع، ومهارات الإعلام وفنون الاتصال، بهدف أن يمتلك علماء الدين عقلية "جامعة"، وتتسع مداركهم لعلوم أخرى، منها القانونية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
وأكد التقرير على إطلاق رئيس الجامعة مشروع تطوير العقل المصري استجابة لتحديات ومتطلبات العصر، وتغيير طرق التفكير بهدف خلق جيل قادر على التفكير بطريقة علمية ونقدية وعقلانية يساهم في بناء مجتمع جديدمتقدم، وذلك من خلال العديد من الإجراءات، من بينها تطوير المناهج الدراسية ومحتوياتها، وتطوير اللوائح، واستحداث برامج جديدة، وتطبيق كل من مقرر التفكير النقدي الذي يدفع الطلاب إلى التعمق في طرق التفكير والتوصل إلى الأسباب الحقيقية وراء المشكلة أو الظاهرة محل الدراسة، ومقرر ريادة الأعمال الذي يدعم عقولهم بالمهارات اللازمة لنجاحهم كرواد أعمال، وإكسابهم أساسيات بدء المشروعات، ووضع خططها، مما ينعكس على اقتصاد الدولة.
وأشار التقرير إلى أنه إيمانا بدور الجامعة نحو طلابها وخريجيها وتصدير خريجين على قدر كبير من الوعي والتخلص من العقول المغلقة القابلة للأفكار المتطرفة، أقامت الجامعة معسكر قادة المستقبل لطلابها في 5 نسخ متتالية لفتح الباب أمام مشاركتهم في تطوير قدراتهم نحو التفكير العلمي والنقدي ومن ثم المساهمة في بناء المجتمع، من خلال تنظيم لقاءات مع قادة الجامعة وكبار العلماء والأدباء، ومجموعة من الأنشطة الثقافية والتوعوية لتطوير الوعي الوطني في علاقته بتطوير الوعي الديني، إلي جانب اطلاق العديد من المبادرات والأنشطة الثقافية والفكرية، مثل إطلاق مبادرة أخلاق التقدم، وأكبر مبادرة لتوزيع الكتابات والمطبوعات الفكرية التنويرية مجانا لرفع الوعي القومي، و"مكتبة ثقافية بكل غرفة بالمدن الجامعية" لنشر ثقافة القراءة.
واستعرض التقرير، العديد من مشروعات جامعة القاهرة الثقافية التي أطلقها الدكتور محمد الخشت لتطوير التفكير الديني وعلوم الدين، في السنوات الماضية، ويأتي في مقدمتها مشروع تطوير العقل، من خلال إعادة بناء الوجدان، وتطوير الوعي الوطني، ومشروع تطوير اللغة العربية وتأسيس مفوضية اللغة العربية، وتأسيس مجلس الثقافة والتنوير الذي ضم نخبة من قادة الرأي والمفكرين، وإطلاق وثيقة التنوير بـ17 لغة، والتي تُحدد المبادئ التي تحكم الجامعة، وتؤكد أن النظرة العقلانية المستقبلية هي الحاكمة لمسيرتها.وأطلق رئيس الجامعة مبادرة لتطوير اللغة العربية، وإطلاق "مشروع التنمية الاقتصادية والإصلاح الدينى".
وشدد التقرير على امتداد دور الجامعة لخارج الجامعة من خلال استهداف أصحاب الرأي والخطابة ليكونوا جزءا من مشروع جامعة القاهرة التنويري حيث وقع الدكتور محمد الخشت بروتوكول تعاون مشترك مع وزارة الأوقاف لتدريب الأئمة والواعظات، وذلك في إطار التعاون المستمر بين الجامعة والوزارة في الإعداد الجيد والتدريب المستمر للنهوض بالأئمة والواعظات في مختلف المجالات، وعقدت الجامعة عدة دورات تدريبية لتدريب الائمة، وتوسعت في دورات تدريب أئمة الاوقاف، واللقاءات الفكرية حول تأسيس خطاب ديني جديد.
ونظمت الجامعة برنامجًا تثقيفيًا لـ 600 إمام وخطيب من وزارة الأوقاف، بقاعة الاحتفالات الكُبرى، حاضرهم فيها الدكتور محمد الخشت للتعرف على الدور الفكري لجامعة القاهرة ودورها في تجديد الخطاب الديني وتاريخها ودورها محليًا وعالميًا، كما ناقشت الجامعة رسالة ماجستير مقدمة من أحد أئمة الأوقاف والباحث بكلية الآثار، وعقدت العديد من ورش العمل في تجديد الخطاب الديني والعلوم الاجتماعية والانسانية وسبل التواصل مع الجمهور من البسطاء في سياق خطاب دينى عصرى متجدد، وذلك لاستعادة عطاء عصور الإبداع الفكرى في الحضارة العربية الإسلامية التي أخذت بكل القيم الدافعة للتقدم، وأهمها توسيع دوائر الإدراك الدعوى وإبراز صورة الإسلام الوسطى من خلال الفكر المستنير، وبما يساهم في دعم توجه الدولة نحو محاربة الأفكار الهدامة والمتطرفة، والسعي نحو تقديم خطاب ديني متزن خال من التعصب، ووقعت الجامعة ممثلة في كلية الدراسات الأفريقية العليا بالجامعة مع وزارة الأوقاف بروتوكول تعاون للإعداد والتدريب الجيد للأئمة الموفدين إلى أفريقيا وتطوير العقل الديني ونشر الفكر الإسلامي المستنير.
وأوضح التقرير أنه خلال الـ7 سنوات نظمت الجامعة عددا من الندوات الفكرية المشتركة بين رئيس الجامعة وعدد من علماء الدين والمفكرين مثل الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف السابق، والدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، والدكتور أسامة الازهري، والدكتور سعد الدين الهلالي، والدكتور ثروت الخرباوي، والدكتور وجدي زين الدين، وغيرهم.
وأشار التقرير إلى أنه اتسع دور جامعة القاهرة وتأثيرها دوليًا في مجال تجدد الخطاب الديني ولم يقتصر فقط علي المستوى المحلي وشاركت في العديد من المنتديات المصرية والعربية لتأكيد رؤيتها في تجديد الخطاب الديني في علاقته بالدولة الوطنية، حيث كان الدكتور محمد الخشت متحدثاً رئيسياً مع نخبة من كبار العلماء في المؤتمر الدولي "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"، والذي عقد بمكة المكرمة تحت رعاية خادمِ الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، كما ألقى الدكتور محمد الخشت محاضرة كاشفة لرؤى فكرية معاصرة حول بناء الدولة الوطنية وارتباطها بتأسيس خطاب دينى جديد، وذلك في ندوة بمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب بعنوان "الدولة الوطنية وتجديد الخطاب الديني"، بحضور نخبة من كبار الأكاديميين والمثقفين الإماراتيين، وبعض رؤساء الجامعات الإماراتية، وكرم الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى رئيس هيئة علماء المسلمين ورئيس رابطة العالم الاسلامي، الدكتور محمد الخشت خلال فعاليات مؤتمر رابطة الجامعات الإسلامية والذي أقيم بمقر منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة - الإسيسكو بالمملكة المغربية تحت عنوان "تأطير الحريات وفق القيم الإسلامية ومبادئ القانون الدولي"، والذي شارك فيه رؤساء الجامعات الإسلامية من مختلف دول العالم وهيئات ومجالس الإفتاء في العالم الاسلامي ونخبة من خبراء القانون الدولي.
كما اجتمع الدكتور العيسى والدكتور محمد الخشت، لمناقشة سبل تجديد الخطاب الديني، وموقف الخطاب الديني من قضية الحريات وضوابطها القانونية والدولية، وإعادة تأويل موقف الشريعة من قضايا عديدة في ضوء إعادة قراءة النصوص والتمييز بين المقدس والبشري.
واستضافت جامعة القاهرة، المحاضرة التذكارية التي ألقاها الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ورئيس هيئة كبار علماء المسلمين، حول "مستجدات الفكر بين الشرق والغرب"، ومنح الشيخ العيسى"النخلة الذهبية" رمز المملكة الي الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة، تقديراً لدوره البارز في تجديد الخطاب الديني و الفكر الإسلامي. وتمنحها الرابطة لكبار الشخصيات العالمية. وسبق منحها للملك تشارلز ملك بريطانيا.
وأشار التقرير الى ترأس الدكتور محمد الخشت، جلسة "الحرية في المنظور الإسلامي" في مؤتمر رابطة الجامعات الإسلامية، بحضور كبار رؤساء هيئات ومجالس الإفتاء من جميع أنحاء العالم ورؤساء الجامعات الإسلامية، وطرح خلال مشاركته رؤية فكرية عقلانية تكشف الجوانب المضيئة للإسلام فى نظرته إلى الحرية، حيث أكد أن الإسلام يقدس الحرية ويميز بين مجالها العام ومجالها الخاص ويقرر أنه لا حرية بدون الالتزام بالقانون، كما أوضح أن الفهم الصحيح والقراءة الواعية للعقيدة يكشف أن الإسلام بنقائه وصفائه يكفل حرية التفكير والبحث العلمي والابتكار وما تطرحه من رهانات للمستقبل لمواجهة المشاكل الحياتية ودعم مشروعات التنمية.
كما ألقي الدكتور محمد الخشت، محاضرة تأطيرية في جناح منتدى السلم أبو ظبي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بدعوة من العلامة الدكتور عبد الله بين بيه رئيس مجلس الإفتاء الاماراتي ورئيس منتدى السلم العالمي وتناول خلالها موضوع السلام العالمي، ودعا خلالها إلى تبنى رؤى جديدة لتحقيق السلام الحقيقي القائم على العدل والإنصاف، كما قام بمراجعة النظريات التى أخفقت فى صناعة السلام بدءا من نظريات ماركس والديمقراطيات والتجارة الحرة والردع المتبادل وسلام العولمة، كما أكد أن الربط بين الدين والتنمية المستدامة وإعمار الكون وسعادة الإنسان مطلب ملح وحاسم في حتمية التجديد الهادف إلى ترسيخ واقع الدين بما يتضمنه من الصفح والتسامح والتيسير وقبول الآخر وإعلاء قيم المواطنة والتصالح والسلام النفسي والتعايش بين كل شعوب الأرض.
وشارك الدكتور محمد الخشت، في عدد من المؤتمرات لتقديم رؤيته حول أهمية تأسيس خطاب ديني جديد وعلاقته بتحقيق السلام والتقدم الاقتصادي، حيث شارك في الملتقي الرابع للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم الذي عقد بالعاصمة الموريتانية نواكشوط حول التعليم العتيق في إفريقيا: العلم والسلم، والمؤتمر الدولي "الفلسفة ورهان التقدم النظري والاجتماعي" بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بالإمارات، ونظرا لرؤيته حول علاقة الاقتصاد بتجديد الخطاب الديني شارك رئيس جامعة القاهرة في مؤتمر ومعرض «سيملس الشرق الأوسط 2024» للاقتصاد الرقمي.
وأوضح التقرير أن الدكتور محمد الخشت، أطلق مشروعا جديداً بجامعة القاهرة لتطوير العلوم الإنسانية والاجتماعية يتضمن 17 ملفًا من ملفات التحديات القومية ومنها ملف تطوير الخطاب الديني، وتطوير الفكر العربي والإسلامي،كما تعمل الجامعة على إنشاء كرسي لتطوير علوم الدين، حيث أن الجامعةتجاوزت مسألة تصحيح الخطاب المتطرف إلى محاولات متعددة لصياغةوتأسيس خطاب ديني جديد ينشر ظلاله على المجتمعات العربية والإسلاميةويلبي مطالب العصر في مواجهة الأفكار الظلامية ومحاولات إفساد حياةالبشر وتشويه دينهم بما هو منه براء.
وتابع التقرير ، تواصلت جهود رئيس الجامعة في تأسيس خطاب ديني جديد على صفحات المجلات والصحف، حيث تناول العديد من القضايا والموضوعات والملفات، ومن هذه الملفات: الاقتصاد بين الخطاب الديني القديم والخطاب الديني الجديد، والاقتصاد الريعي والاقتصاد الإنتاجي، واستعادة روح الإسلام المنسي في ضوء فهم مقاصدي حديث لنصوص الوحي، وتفسير الكتاب بالكتاب، وليس طبقا لثقافة رعوية وريعية قديمة، ومحاولة استعادة العناصر الحية ضمن منظومة جديدة، ومحاولة فتح طريق ومسار جديد أمام العقل المفتوح المتواري في التراث، في مواجهة العقل المغلق المتغلب على التراث بعد عصور الازدهار الأولى. واكد ان التجديد ليس خلقا من عدم، والقطيعة الإبستمولوجية (المعرفية) هي قطيعة مع العناصر الميتة والأسطورية والأفكار المتزامنة مع ظروف اقتصادية واجتماعية خاصة ومؤقتة، وليست قطيعة مع العناصر الحية في التراث. بإلإضافة الى تأويله الجديد لسورة الكهف عبر سلسلة مقالات منها: لسورة الكهف معان أخرى، والتراث والعلم اللدني، والعلم اللدني والتسويغ العقلي، والحكمة الأرضية، والحكم الرشيد كذروة لسورة الكهف، ويأجوج ومأجوج بين الإرهاب والاستعمار، وأيضًا من خلال بعض الحوارات التي أقامتها معه قنوات التليفزيون والدوريات والمجلات والصحف والإذاعات المصرية والعربية والمواقع الإلكترونية.
وأشار التقرير إلى أن الدكتور الخشت، أخذ المبادرة وحرك الماء الراكد منذ عقود طويلة من خلال مناظرته العالمية مع الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف من داخل الأزهر، وذلك من خلال طرح رؤيتة فيما يتعلق بـ "تجديد التراث الإسلامي"؛ حيث يرى د.الخشت، ضرورة تجديد التراث الديني بما يتناسب مع مقتضيات العصر الحديث، وهذا لا يتضمن "ترميم بناء قديم" بل "تأسيس بناء جديد بمفاهيم حديثة" للوصول إلى "عصر ديني جديد".، خاصة وأن التراث هو في الأساس عمل بشري غير مقدس قابل للخطأ والصواب.
وتنبهت بعض الجامعات الأخرى الى أهمية مشروع تأسيس خطاب ديني جديد، فقامت لعمل مجموعة من الابحاث ورسائل الماجستير والدكتوراه عن الفلسفة التجديدية للدكتور الخشت، في الجزائر والعراق وألمانيا وسويسرا وبعض الجامعات المصرية مثل جامعة طنطا وجنوب الوادي وغيرها. كما قام كرسي اليونسكو للفلسفة بتونس بتأليف مجلد كامل عن فلسفته تحت عنوان "فيلسوف التجديد والمواطنة والتقدم" شارك فيه مجموعة من كبار الأكاديميين من الجامعات العربية.