باحثان أمريكيان: مستقبل السياسة الخارجية
واشنطن - (د ب أ)
في ظل التحولات العالمية السريعة والتحديات المتزايدة، تبقى السياسة الخارجية الأمريكية موضوعا حيويا ومثيرا للنقاش، برزت حوله تساؤلات حول آفاقها المستقبلية تحت إدارة الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، وكيفية التعامل مع القوى العالمية مثل الصين وروسيا، فضلا عن القضايا العاجلة التي تتطلب تعاونا دوليا مكثفا.
يقول الباحثان الأمريكيان ستيفن سيمبالا ولورانس كورب في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" إن أول مناظرة رئاسية بين الرئيس جو بايدن وسلفه دونالد ترامب أدت إلى موجة إعلامية من الهستيريا حول أداء بايدن، والتي استمرت حتى المؤتمر الجمهوري وأدت في النهاية إلى انسحاب بايدن من السباق.
وقد دعت هيئة تحرير صحيفة "نيويورك تايمز" ومواقع إعلامية مرموقة أخرى، بدعم من بعض كبار الممولين والسياسيين الديمقراطيين، بما في ذلك قادة مجلس الشيوخ والنواب الديمقراطيين، إلى انسحاب بايدن من السباق نحو البيت الأبيض.
ويقول الباحثان إنه من المفهوم إلى حد ما أن الوسائل الإعلامية، التي تركز بشكل مهني على التواصل، والعديد من أعضاء مجلس النواب والشيوخ الديمقراطيين، الذين يهتمون بانتخاباتهم الخاصة، يعتبرون أداء بايدن كارثيا.
من ناحية أخرى، فيما يتعلق بجوهر السياسات، بدلا من جانب الأداء على المسرح، كانت المناظرة مجرد لحظة عابرة في رحلة تتطلب المزيد من الأشهر من الحملات الانتخابية بين الرئيس السابق دونالد ترامب ونائبة الرئيس كامالا هاريس للتوصل إلى نتيجة.
في هذا الصدد، تعتبر المواقف المتعلقة بالسياسة الخارجية واستراتيجية الجيش الأمريكي للمرشحين ذات أهمية بالغة، ويشهد العالم تحولا من الارتياح الكبير الذي أعقب الحرب الباردة والفوز الأمريكي إلى صورة أكثر تعقيدا؛ فالعودة الحروب والصراعات بين القوى الكبرى، خاصة فيما يتعلق بقدرات وطموحات الصين وروسيا المتزايدة، تخلق حالة من عدم اليقين بشأن الأهداف السياسية والاستعداد العسكري للولايات المتحدة في أوروبا وآسيا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التحديات غير المسبوقة في تغير المناخ والأوبئة والجهود الرامية لإزاحة الدولار كعملة مرجعية للمعاملات الدولية والهجرة الجماعية بأعداد غير مسبوقة والتقنيات الجديدة للحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والاستخدامات العسكرية للفضاء، كلها تسهم في احتمالية حدوث موجات من زعزعة استقرار الأنظمة السياسية وإرباك التخطيط العسكري.
وما كان مؤكدا للسياسيين ومستشاريهم العسكريين اليوم قد يتحول إلى حالة من عدم اليقين في الغد.
لذا، عند اختيار المرشحين الرئاسيين المتنافسين، من الضروري فهم رؤاهم بشأن هذه البيئة الدولية المعقدة وعدم اليقين العسكري، ولا يمكن لدولة لديها موارد غير محدودة، وحتى الولايات المتحدة، التي تواجه عجزا تراكميا يزيد عن 35 تريليون دولار، الاستمرار في الإنفاق المفرط على الأولويات المحلية والأجنبية دون قيود.
ويتساءل الباحثان: ما هو التوجه الجيوسياسي المفضل لأمريكا أو الاستراتيجية الكبرى في المستقبل؟ ما هي الالتزامات والواجبات العسكرية التي تنبثق عن هذه الاستراتيجية الكبرى؟، وأخيرا، ما هي الافتراضات التي يجب أن توجه استعداداتنا العسكرية لردع الحروب وإذا لزم الأمر، للقتال فيها؟
بشكل عام، تشمل الخيارات الاستراتيجية الولايات المتحدة الكبرى: 1- "جودزيلا ريكس"، أو ما يُطلق عليه أحيانا "الهيمنة الليبرالية".
2- التوازن الخارجي
3- العولمة غير المحدودة
4-الانخراط الانتقائي والتوسع.
وقد تم استبعاد العزلة كخيار لأنه، في عالم اليوم المعقد والمترابط والمليء بالإعلام، لن تكون ممكنة، حتى إذا اعتبرها بعضهم مرغوبة.
وبحسب الباحثان، كان "جودزيلا ريكس" هو الموقف الأمريكي في التسعينيات بعد نهاية الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفيتي، وباتت الولايات المتحدة القوة العالمية الوحيدة دون منافس عسكري جاد، ومع ذلك، قلص الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون التركيز الوطني على الأمن والدفاع، بما في ذلك الاستخبارات، وهو ما عاد ليطارد أمريكا بعد هجمات 11 سبتمبر.
ومع ذلك، غزت الولايات المتحدة أفغانستان للإطاحة بطالبان في عام 2001 وأسقطت نظام صدام حسين في العراق في عام 2003، وتم إعلان "الحرب العالمية على الإرهاب"، وأصبح الصراعان "حربين أبديتين" استمرتا حتى العقد الثاني من القرن الحالي.
ويرى الباحثان أن التوازن الخارجي استراتيجية كبرى بديلة كانت تفضلها بعض الأوساط الأكاديمية ومحللو السياسات البارزين، ومن هذا المنظور، يجب على الولايات المتحدة أن تحد من التدخلات العسكرية واسعة النطاق إلى التهديدات من قوة معادية تهدف إلى السيطرة على منطقة أساسية بطرق تتعارض مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة وحلفائها.
وتشمل القوى الإقليمية المتنافسة روسيا المتجددة في أوروبا، والصين الصاعدة في آسيا، والمزعجِين الأقل ولكنهم لا يزالون خطيرين في آسيا (كوريا الشمالية) أو الشرق الأوسط (إيران).
ووفقا لهذا النهج، ستسعى الولايات المتحدة أولا إلى الاعتماد على الحلفاء الإقليميين لتولي القيادة إذا كانوا مستعدين لذلك، على الرغم من أن الولايات المتحدة ستتصرف إذا كانت مصالحها الحيوية مهددة.
ثمة استراتيجية كبرى ثالثة، يفضلها العديد من السياسيين ما بعد الحداثة ومجتمع النشطاء العالمي، ستؤكد على التحديات العابرة للحدود بدلا من الصراعات الوطنية.
وتقترح هذه الإستراتيجية أن تكون الأولوية لقضايا مثل تغير المناخ والفقر والهجرة والتوسع الحضري والأوبئة ونزع السلاح على جدول الأعمال الوطني، من هذا المنظور، تعتبر الصراعات الكبرى والحروب من أجل الهيمنة بقايا متقادمة من القومية المفرطة والتأثير العسكري المفرط على السياسة، وينبغي تحويل الموارد المخصصة للدفاع والحرب إلى التعاون العلمي الدولي وحفظ السلام تحت إشراف الأمم المتحدة أو هيئات دولية أخرى.
وهناك استراتيجية كبرى رابعة هي الانخراط والتمدد الانتقائي، هذا النهج كان مدعوما من قبل البعض في إدارة بيل كلينتون وأكد على النمو الاقتصادي من خلال التعاون والاستثمار الدولي.
من بين هذه الاستراتيجيات الكبرى المتنافسة، تضمنت السياسات الخارجية والدفاعية لإدارة بايدن بعض العناصر من كل من الخيارات الثلاثة الأولى. ومن المرجح أن توسع إدارة هاريس، حال وصولها للبيت الأبيض، هذه السياسات.
وتظهر ميزانيات الدفاع المتزايدة والدعم العسكري القوي من الولايات المتحدة وحلف الناتو لأوكرانيا ضد الغزو الروسي أن "جودزيلا ريكس" لا يزال طموحا بين كل من الديمقراطيين والعديد من الجمهوريين في واشنطن، والدعم الأمريكي لإسرائيل في الشرق الأوسط قريب من استراتيجية التوازن الخارجي ضد المنافسين الإقليميين الخطيرين (إيران ووكلائها)، ويعكس الالتزام الأمريكي التاريخي بالدفاع عن سيادة إسرائيل ضد الأعداء الإقليميين.
لكن ما يُسمى بالتقدميين في إدارة بايدن، اعترضوا على تكتيكات إسرائيل العسكرية في الحرب ضد حماس في غزة.
وفيما يتعلق بالصين، كانت سياسة بايدن منقسمة بين الخيارين الأول والثاني: التأكيد على بناء الدفاع الأمريكي والاستعداد الأكبر لمحاولة الصين العسكرية للاستيلاء على تايوان أو رؤية الصين كمنافس اقتصادي ومعلوماتي أكثر من تهديد عسكري فوري، على الرغم من أن القدرات المتزايدة للصين في الحرب السيبرانية وفي الفضاء هي مصدر قلق كبير.
ومع ذلك، يرى آخرون أن صعود الصين يشكل تحديا في العلوم والتكنولوجيا لا يجب أن يتطور إلى سباق تسلح أو حرب، وهو ما يشبه الخيار الثالث.